الأزمات هى أحداث الزمان «الحادة العابرة، المتوقعة وغير المتوقعة التى تعترى حياة الفرد والجماعة والوطن والأوطان والعالم، ويمتد أثرها على نمط حياة الأفراد وتعاملاتهم، فالأزمة التى نعيشها يستقبلها الوجدان «كابتلاء»، ويستقبلها العقل الواعى الخيّر «كإختبار»، ويوازن بينهما كثقافة إرادة ورباط جأش وصبر.. إن الوجدان –فى هذا النطاق- لفظ جامع مجرد يشير إلى حساسية نفس الإنسان لاستقبال أحداث الأزمة كمقدمة لإستيعابها ويتعامل عقله معها بعقيدة راسخة، ويُعدّل أنماطا ثابتة أو شبه ثابتة فى حياته ليتخطى الأزمة، ويكتسب منها عِبَرا ومهارات ليغدو شخصا صقلته الصعاب ويواجه التبعيات المتوقعة وغير المتوقعة، ويؤدى واجبه مع ما تقوم به مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية حيال تلك الأزمة، ليس فقط ليجتاز الوطن والمواطنون بكل طوائفهم بِعَون الخالق هذا الاختبار، بل أيضا إيقاظ وتشكيل واقعى لوجدان الوطن والمواطنين (رُبّ ضارة نافعة).
إن الوجدان نسق قاعدى لكينونة الإنسان قبل مولده منذ نفخ الروح فيه عند تمام شهره الثالث فى الرحم، مما يعكس مدى تغلغله فى ذات وجسم الإنسان وتأثيره المستقبلى الغائر نفسيا وبيولوجيا على تشكيل منظومة سلوكه الثابت وعقيدته التى تُتوّج وجدانه تجاه حدث أو مسألة ما واجهت حياته، وهو نبضات القلوب، وهَديّ السماء للعقل ليمتلئ بالعاطفة، ويُولّد طاقة عقلية تُيسّر لعقل الإنسان التوصل لدلالات أحداث الحياة للتكيف الإيجابى معها. وإذا كان العقل قد تعامل مع الأزمة التى يمر بها الوطن والعالم، وعكف كل منا فى مكانه، وقاية وإتقاء وحرصا على جسده من أن تمسه العلل، فمن مقتضى وطبيعة مفهوم «ثُنائية أفلاطون»، وتعادلية توفيق الحكيم أن يحرص كل منا أيضا على وجدانه، ويختلف الجسد ووجدانه حسب الإنسان وطبائعه وأنواعه المتعددة؛ فلكل حال لُبوسها، وكل منهما يتفاعل مع أزمات الحياة وفق طبيعته، فالجسد طبيعته السعى فى الحياة إما لخير وعافية، وإما فى مرتع وخم، أما الوجدان- إن صلح- فعبودية صادقة لله عز وجل من خلال الأحاسيس الصافية، والمشاعر العميقة، والعواطف الكريمة، والعون الصادق، وإيثار الإنسان لأخيه الإنسان.. والوجدان عميق الأثر فى العلاقات بين البشر، كونه وهج الإيمان، ونور الحياة وصمام الأمن إذا اشتدّ الجدال، وحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن سعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق» له دلالات واضحة.
وأسأل الله أن يّعُم وطننا بعد انقشاع الأزمة تشريعات وقواعد تفَعّل ما علمته لنا الأزمة من ثقافات الوقت والصحة والطريق وفقه العبادات، فعلى سبيل المثال: يبدأ العمل مبكرا وينتهى فى أوقات متفرقة درءا للزحام، ويُسن تشريع مناسب لعمل المقاهى حفاظا على مسلك وصحة الشباب، ويعاد النظر بجدية فى وضع برنامج رياضى لطلاب المدارس والجامعات وتحويل الرياضة إلى مادة أساسية مع إيماننا بحتمية تكامل تربية البدن مع تربية العقل لما للرياضة الحقيقبة من آثار فعالة فى إعداد جيل صاعد صحيح البدن، منضبط الأداء، كريم السجايا، يميز ويفكر ويعمل، ويمكن للمؤسسات المعنية بالدولة العمل على تفعيل ذلك البرنامج الرياضي.
د. محمد عبد الرحمن العبد
طب الإسكندرية
رابط دائم: