قصير.. ضئيل الجسم ..يرتدي نظارة طبية ويكاد لا يلحظه أحد في ظروف أخرى، لكنه أصبح اليوم من أبرز الشخصيات التي كشفت عنها أزمة فيروس كورونا. ولا يكاد يظهر حتى تحيط به الكاميرات والصحفيون سواء باعتباره بطلا لمعظم الأمريكيين أو قاتلا لآخرين. إنه الدكتور أنتوني فوتشي-٧٩ عاما- مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية وطبيب المعاهد الوطنية للصحة في أمريكا الذي أصبح الوجه الرسمي أمام الولايات المتحدة والعالم في التعامل مع الأزمة.
ويبدو أن هذه المهنة تسري في دمائه، فعندما كان طفلا كان يعمل في توصيل الأدوية والوصفات الطبية. وانضم لحرب فيتنام كباحث طبي. وواصل اهتمامه بعمله حتى كشف عن مرض الإيدز للعالم في الثمانينات حيث واجه عاصفة من الاحتجاجات ضده. بعدها عمل أيضا ضمن مهمة الاستجابة الفيدرالية لوباء «إيبولا» وفيروس «زيكا» و «الجمرة الخبيثة». وله إنجازات علمية محفورة في السجلات الطبية والتي ساهمت في فهم تنظيم الاستجابة المناعية للبشر. وفي دراسة لجامعة ستانفورد الشهيرة في كاليفورنيا عام ١٩٨٥، صُنّفت ابتكاراته في علاج التهاب المفاصل العقيدي والورم الحبيبي مع التهاب الأوعية الدموية كأحد أهم التطورات في إدارة علاج أمراض الروماتيزم على مدى السنوات الـ٢٠ الماضية. كذلك عمل على تطوير استراتيجيات للعلاج وإعادة تكوين جهاز المناعة للمرضى المصابين، وتطوير لقاح لمواجهة الإيدز. وفي الفترة من ١٩٨٣ إلى ٢٠٠٢، كان فوتشي العالم الـ١٣ الأكثر مرجعية من بين ٣ ملايين مؤلف حول العالم الذين نشروا مقالات في المجلات العلمية.
واستمر قي القيام بعمله في هدوء وتواضع حتى صار وجه أمريكا في حربها على كورونا. وتحولت صورته إلى تمثال بقاعة المشاهير بمتحف بوبليهيد الوطني ويتهافت الناس الآن على شراء الحلوى التي تحمل صورته إضافة إلى فتاحات الزجاجات والأقداح، وشموع الصلاة وجوارب مطبوع عليها وجهه. لكن في الوقت نفسه، أصبحت الحراسة حوله مشددة للغاية لأنه في نظر آخرين قاتل مما أدى إلى تلقيه تهديدات من اليمين المتطرف بقتله نتيجة لتصريحاته وتحذيراته الحاسمة بشأن مواجهة الفيروس اللعين. وليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها الأزمات، فعلى مدى ٥ عقود قضاها في المجال الطبي شهد د. فوتشي حرق صوره وإلقاء قنابل الدخان أمام مكتبه، واعتاد على سماع من يهتفون بكلمة قاتل إلا أنه ظل مخلصا لعمله كباحث في الأمراض المعدية بشكل أساسي دون أن يهاب الرؤساء، كما يفعل مع ترامب مصححا له أخطاءه طوال الوقت. الأمر الذي يجعله مصدرا حقيقيا للثقة.
ويصفه البعض بأنه مروض ترامب، ومصحح المعلومات الخاطئة التي ينطق بها. وهو أمر ليس بجديد عليه لأنه كان دائما يقدم المشورة لـ٦ رؤساء أمريكيين سابقين، حيث كان يقف خلف كل رئيس يتابع كل ما ينطق به بصمت، موفرا الطمأنينة للمواطنين، لأنه دائما ما يتحدث بالعلم والمنطق خاصة فيما يتعلق باستخدام أدوية بعينها، أو موعد طرح العلاج، مثلما قال ترامب إنه يأمل بإنتاجه لعلاج كورونا قريبا، بينما أكد فوتشي أن اللقاح لن يكون جاهزا قبل عام ونصف العام على الأقل. فهو يقول دائما : «عندما يتعلق الأمر بالمعلومات الصحيحة فأنا أفعل ما بوسعي.. ولكني لن أفعل ما هو مستحيل.. لن أقفز على المنصة خلال حديث الرئيس وأقول له أنت كاذب. عندما يخطئ في مرة.. نحاول أن نصحح خطأه في المرة الثانية».وهذا الأمر في حد ذاته يمنحه الكثير من قوة الشخصية لأن ترامب دائما ما يعرف بأنه لا يحب من يعارضه، لكنه دائما ما يصحح أخطاءه أمام الجميع. لذلك أصبحت الملصقات والبضائع التي تحمل صورته تأتي تحتها عبارة «نريد بطلا» ويشتهر عبر الانترنت بـ «الرجل الأسطورة».ولصراحته وأدائه الهادئ المصحوب بالأدلة العلمية، دائما يلتف الناس حول تصريحاته ويلتزمون بها خاصة عندما حذر الشباب من أن المرض ليس بعيدا عنهم.
رابط دائم: