فيروس «رذل».
ضعيف، ولكنه متحور، ومحير، وغير معروف الهوية، ولا يسهل اكتشافه مبكرا, ليس له مصل ولا علاج، ولا يمكن مواجهته بسهولة, الوقاية منه مستحيلة، فمعظم إجراءات التطهير و«الذى منه» لم تمنع انتشاره, الحل الوحيد هو أن تلزم بيتك، ولا تخالط بشرا، ولكن هات لى إنسانا واحدا طبيعيا يمكنه أن يحيا هكذا.
فيروس جاء ليقضى على حرية البشر، وحياتهم وتنقلاتهم، فلم تعد هناك أنشطة صناعية، ولا تجارية، ولا ترفيهية، ولا سينما، ولا مسرح، ولا كرة قدم, ولا اجتماعات، ولا أسواق، ولا صلوات، ولا احتفالات.
«قرصة ودن» إلهية رهيبة لبشرية لهت وطغت وأفسدت وسفكت الدماء وهجرت الدين أو تاجرت به، والألم طال الجميع، فاسدين وأبرياء، أغنياء وفقراء.
كائن صغير غير مرئى ضرب أعتى الدول والقوى، وأنظفها، وأكثرها تحضرا، بدليل أن دول أوروبا شديدة النظافة، شديدة الانضباط، كانت الأكثر تضررا.
أمريكا وبريطانيا، استهترتا بالمرض فى بدايته، سواء من باب الغرور، أو من باب «مش فاضيين«، فدفعتا الثمن غاليا.
حتى الصين التى أعلنت القضاء على بؤرة »ووهان«، ما زال لديها ضحايا يتساقطون يوميا.
إيطاليا، ضيعها خبر مسرب عن حظر تجول قريب، مما دفع آلاف الموجودين فى بؤرة ميلانو إلى العودة لمدنهم وقراهم فى جميع أنحاء إيطاليا سريعا، فنقلوا الفيروس لباقى المدن!
اليابان وكوريا متفائلتان باحتواء المرض، ولكن أوليمبياد طوكيو تأجلت، وكوريا ما زالت تعاني.
أما فى مصر، وفى بلادنا العربية، فالحياة متوقفة، ولا أحد يعرف ماذا سيحدث غدا، ولا أحد يعرف ماذا سيحدث بعد انقشاع الغمة.
كل الخطط المستقبلية القريبة أو البعيدة سقطت.
الناتج المحلى الإجمالى للعالم سيتقلص، كل معدلات التنمية المحلية ستتراجع، أهداف الأمم المتحدة التنموية »إنسوا«، خطط الإنقاذ والتحفيز لن تجدي، ولن تكفي، بل لن تجد أحدا يعطى سنتا لأحد، البطالة فى أمريكا »شخصيا« ستتراجع 30%، صناعات ضخمة ستختفي، وأنشطة بالكامل ستغلق أبوابها بالضبة والمفتاح، برميل البترول سعره الآن أقل من سعر علبة »شيكولاتة«، شركات الطيران العالمية وحدها خسائرها 200 مليار دولار، أزمة غذائية عالمية فى الطريق لا محالة، ومن يزرع لن يصدر.
ولا أحد يعرف، متى أو كيف تبدأ البشرية مرحلة العودة، أو الـComeback.
عام 1983، ظهر فيلم أمريكى اسمه «اليوم التالي» The Day After تخيل وقوع حرب نووية تدمر البشرية وتعيد الكوكب إلى عصر ما قبل التاريخ، فلا نبات، ولا حضارة، فقط «بقايا بشر» يعيشون فى العراء، ويتساءلون »أين يمكننا أن نذهب«؟
ومع ذلك، يحاول العالم الآن أن يرسم صورة حالمة لمرحلة ما بعد كورونا.
يحلم بيوم تعود فيه الرحلات الجوية، وحركة الملاحة، وتنقلات البشر، وتستأنف حركة الصناعة.
المشكلة أن هذا اليوم لم يأت بعد، ولم تظهر بعد أى ملامح تساعدنا على معرفة ما إذا كان سيأتى أم لا.. أبريل، أغسطس، نهاية العام؟
خبراء راهنوا على حر الصيف للقضاء على الفيروس، ولكن الحر لم يمنع الوباء عن دول كثيرة، وعلماء ينتظرون علاجا، وآخرون ينتظرون معجزة إلهية «ما».
هناك من يتوقع أن تختار البشرية قريبا عودة أنشطة الحياة تدريجيا بشكل طبيعي، حتى وإن لم يتم القضاء على الفيروس، لأن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الإغلاق والإجراءات الاحترازية ستكون أكثر خطرا وفداحة من الخسائر البشرية، ولكنه أيضا خيار صعب، نعم، قد نصل لمرحلة يترك فيها الإنسان هذا الفيروس يعبث كما يشاء، ليعيش البشر حياتهم أيضا كما يشاءون، ولينجو من ينجو، وليتعافى من يتعافى، وليسقط من يسقط!
دول أوروبية بدأت تفكر فى ذلك، ورجال أعمال عندنا بدأوا يجاهرون بهذا أيضا، والدولة المصرية أحسنت عندما اختارت منذ البداية حياة الناس، مهما كانت الخسائر.
لا تستعجلوا، فلا أحد يعرف كيف سيكون «اليوم التالي» لكورونا، وهناك متشائمون يرون أنه قد لا يأتي، وأننا فى نهاية العالم، ومع ذلك، نحلم بهذا اليوم الذى تزول فيه الغمة حقا، ويأتى يوم نسخر فيه من الكمامات والقفازات والكلور، ونتعايش مع كورونا، كما تعايشنا مع الإنفلونزا والسرطان والإيدز، دون اكتراث!
المشكلة أننا إلى الآن، لا نعرف شيئا عن اليوم التالي، ولا الحالي.
وسنظل كذلك، إلى أن يغمرنا الله برحمته.
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: