استيقظ العالم أجمع على شبح مخيف يهدد صحة الإنسان على وجه الأرض بصورة لم يسبق لها مثيل فى تاريخ البشرية ومن مفارقات القدر أن الخسائر الكبرى ومعدلات الإصابات والوفيات ظهرت فى دول لها من الخبرة والإمكانات والقدرات للنظم الصحية ما يفوق بمراحل الكثير من البلدان التى طالما عانت شعوبها الكثير من تدنى المستويات الصحية بسبب الفقر وعدم القدرة على مواكبة العلم والتكنولوجيا لتقديم نظام صحى عادل لمواطنيها. ولعل هذه التجربة المخيفة التى قدر للبشرية أن تخوضها، تكون نقطة تحول تاريخية فى توجيه الإمكانات الدولية والمحلية على مستوى العالم لرفع مستويات النظم الصحية واعتباره المحور الأساسى للاستثمار فى البشر. وتتمثل مواجهة هذه الجائحة المرضية فى ثلاثة محاور رئيسية: المحور الأول هو المحور الوقائى: ويتمثل أساساً فى تعزيز اجراءات الوقاية والمنع بداية من خطة ترصد واضحة للمرض لاكتشاف المرضى فى حالات مبكرة وعمل الفحوصات اللازمة لتأكيد التشخيص ثم عمل تتبع وتقصى وبائى للمخالطين للمرضى لكشف من يثبت ايجابيته
وذلك بالتحليل فى وقت مبكر قبل ظهور الأعراض ثم بعد ذلك يتم عمل تحليل مؤكد لهم حيث إنه لا بد أن يكون هناك تحليل سريع وحساسيته تصل إلى 80% ومن يثبت ايجابيته يتم عمل التحليل المؤكد والمعروف باسم PCR. وقد أغفلت بعض الدول الدور الوقائى المهم فى النظم الصحية ولم تعمل على رفع الكفاءة العلمية والمهنية للعاملين فى المجال الوقائى واعتمدت هذه الدول على منظمة الصحة العالمية باعتبارها المقر الرئيسى لصناعة القرارات الصحية فى بلدان العالم والمسئول الأول عن توجيه النظم الصحية بما يتمشى مع المعطيات. لذا كان على الأنظمة العالمية أن ترفع من شأن العاملين فى الشأن الوقائى وتحديد استراتيجيات واضحة لمواجهة الكوارث الوبائية. واستكمالاَ للمحور الوقائى حيث تكتمل رسالته بخطة توعية كبيرة لرفع الخلفية الثقافية لجموع الشعب وتطبيق خطط المواجهة الاحترازية فى وقت مبكر وبشمولية أوسع حتى تحقق المرجو منها فى احتواء المرض قبل أن يصل المنحنى الوبائى إلى قمة الانتشار وقبل ان تصبح الأمور خارج السيطرة.
المحور الثانى وهو المحور العلاجى: ويتمثل فى نظام صحى يحتوى على أعداد كافية من الأسرة تتناسب مع الكتلة السكانية لكل بلد وتمثل نسب أسرة الرعاية المركزة باستعداداتها المختلفة من أجهزة رعاية مركزة وأجهزة تنفس صناعى وأطقم طبية مدربة، وكذلك تخصيص نسبة من الأسرة لعمل أقسام للعزل فى المستشفيات فى ظل وجود مجموعة من الخبراء لعمل بروتوكولات علاجية لمواجهة الحالات المرضية مما يسهم حتما وبنسبة كبيرة فى زيادة نسب الشفاء وانحسار نسب الوفيات الناتجة عن المرض. وقد شاهدنا بأنفسنا حجم المعاناة التى عانتها بعض الدول بسبب نقص الأطقم الطبية وأسرة الرعاية المركزة ولا بد أن يعمل المحور العلاجى جنباَ إلى جنب مع المحور الوقائى لتطبيق العزل الذاتى للمخالطين للمرضى وتقديم الرعاية الطبية لمن يثبت ايجابية التحليل له، حيث إن التدخل السريع فى هذه الحالات يقلل من نسب الإصابة وعدم ظهور الأعراض أو ظهورها بنسب بسيطة تتفاوت بين المرضى لأن من المعروف أن الفئات الأكثر عرضة هم أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن. كما لا بد للنظام العلاجى لكل دولة أن يقدم نظاما طبيا بديلا للمترددين على المستشفيات والعيادات لأسباب مرضية أخرى ويوفر لهم الحماية اللازمة ويمنع التكدس ويفتح قنوات لتقديم العلاج للأمراض المزمنة وتقديم الخدمات الإسعافية على مدى 24 ساعة لمن يحتاجها من المواطنين. ولا بد من وضع اطار لحماية الفرق الطبية والعاملين فى الحقل الوقائى والعلاجى وتوفير أعلى درجات الأمان لهم فى أثناء ممارساتهم المهنية والحفاظ على لياقتهم الصحية.
المحور الثالث والأهم وهو البحث العلمى للجائحة ويتمثل فى: رصد ميزانية مناسبة لعمل أبحاث تخصصية للجائحة المرضية يشرك فيها أساتذة الجامعات وعلماء المراكز البحثية المتخصصين فى علوم الفيروسات وعلوم الأدوية والصحة العامة والوبائيات والأمراض المتوطنة والمعامل بتخصصاتها المختلفة لوضع سلسلة من البحوث السريرية لكشف الخصائص الجينية للفيروس ومحاولة إيجاد لقاح مضاد له يحمى البشرية من هجمات شرسة قد تأتى بعد فترة ركود للفيروس. ولتنفيذ هذه المحاور الثلاثة وتحقيق الأهداف المرجوة منها لا بد أن يكون هناك ادارة مركزية على أعلى مستوى لإدارة الأزمات حيث يتم توزيع المهام ومتابعة آليات التنفيذ بصورة دقيقة وإعلان الحقائق للرأى العام أولاَ بأول مصحوباَ برسائل التوعية والتحفيز لتطبيق إجراءات الوقاية التى من شأنها مساعدة إدارة الأزمات فى السيطرة على الجائحة. ويتولى تنفيذ الدور الوقائى الفرق المؤهلة من القطاعات الوقائية لوزارة الصحة ومديريات الشئون الصحية بالمحافظات وكذلك القطاعات الوقائية بالخدمات الطبية بالقوات المسلحة وأقسام الصحة العامة وطب المجتمع فى كليات الطب، وفتح باب المتطوعين من التخصصات المختلفة لتدعيم الفريق الوقائى وزيادة أعداد المراقبين الصحيين لعمل خطط متكاملة للترصد والتقصى الوبائى وتنفيذ معايير التعقيم والتطهير للمنشآت العامة والخاصة. وفيما يتعلق بالمحور العلاجى يتولى مسئولية تنفيذ المحور العلاجى كل قطاعات الدولة العلاجية متمثلة فى تحديد أماكن بعينها لاستقبال الحالات وفحصها وتوجيهها لمستشفيات العزل طبقاَ لحالاتها المرضية مع وضع أعلى الكفاءات من وزارة الصحة والجامعات المصرية فى خدمة المرضى وتنفيذ بروتوكولات العلاج ووضع برنامج عمل داخل غرف العناية المركزة للمتابعة اللصيقة لإنقاذ المرضى وتقديم الدعم لهم لرفع نسب الشفاء. ولابد أن يتم ضخ مجموعة كبيرة من المتدربين والأطباء الشبان لدعم فرق العناية المركزة بعد تأهيلهم ببرامج تدريب عاجلة للتعامل مع هذه الحالات المرضية تحت إشراف الأساتذة والمختصين فى العناية المركزة. كما لابد أن يسهم العلماء المتخصصون فى شتى المجالات فى عمل بحوث بيئية، اقتصادية، اجتماعية، ديموجرافية، لكشف الحقائق والتوابع المترتبة على الجائحة المرضية ووضع أطر سريعة للخروج من هذه التبعات بأقل الخسائر الممكنة.
لمزيد من مقالات د.عادل عدوى رابط دائم: