رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تلك الأيام
حروب الأوبئة

فى الحروب يكون القتل بكل الوسائل التدميرية. قنابل، مدافع. طلقات رصاص، صواريخ، والأشد من كل ذلك حرب الفيروسات عندما تصبح كل أدوات القتل السابقة غير كافية!

وقد أمر قائد الجيش البريطانى فى أمريكا جيفرى أبهرست عام 1763 بأن ترسل البطاطين وملاءات الأسرة المحملة بالجدرى إلى من تبقى من الهنود الحمر لتعجل بفنائهم.

منذ البداية كانت الميكروبات هى أسلحة الأوروبيين الفعالة فى عمليات غزو العالم الجديد، فمات من هنود أمريكا بالجراثيم الأوروبية أكثر بكثير ممن قتلتهم المدافع والسيوف. كسبت الجراثيم لا القادة الكثير من الحروب وكانت حاسمة فى تشكيل التاريخ.

لقد كان على سكان أمريكا الأصليين مقاومة الرجل الأبيض والأمراض التى أدخلها معه أيضا، وبعد أن أهلك الجدرى جل سكان أمريكا الوسطى سارع الرجل الأبيض باستيراد العبيد من إفريقيا للعمل فى مناجم الذهب التى تم الكشف عنها ونقل هؤلاء مرض الجدرى أيضا إلى البقية الباقية من الهنود الحمر، وكان الأفارقة محصنين ضده بعد أن أصابهم أطفالا.

كما وصل الجدرى إلى المكسيك عام 1520 يحمله مصاب من كوبا الإسبانية، وكان تعداد الهنود آنذاك 3 ملايين، ومع مجىء عام 1618 لم يتبق منهم غير 1٫6 مليون فرد.

وبدأ تناقص الهنود خلال قرن من وصول كريستوفر كولومبس بنسبة 95% بعد أن تعرضوا إلى جراثيم لم يسبق أن تعرضوا لها، كما يذكر أستاذ علم الوراثة الراحل أحمد مستجير فى كتابه القرصنة الوراثية.

وكانت أهم الجراثيم القاتلة جراثيم الجدرى والحصبة والانفلونزا والتيفود والدفتريا والملاريا.

وكانت ميكروبات الانفلونزا مثلا تدفع المريض إلى الكحة والعطس ليثير حوله سحابة من الميكروبات ليلتقطها الآخرون، بينما تسبب بكتيريا الكوليرا للمريض إسهالا فظيعا.

وكانت أسوأ الطرق هى استخدام فيروس مرض الكلب الذى يصل الى لعاب حامله ثم يدفعه إلى أن يعقر الآخرين.

وتتميز الأمراض البشرية المعدية التى تحل كأوبئة بسرعة الانتشار من المصاب الى من يجاوره من الأصحاء، كما تحتاج إلى تجمع بشرى كبير العدد كثيف الاحتشاد، ولذلك تسمى أمراض الزحام.

الأوبئة والفيروسات التى دمرت حضارات وهزمت جيوشا، وكانت إحدى وسائل إبادة الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين، هاهى الآن تهاجم العولمة وفى القلب منها أمريكا القاتل السابق بالأوبئة بعد أن أصبحت أكبر ضحايا فيروس كورونا فى العالم، وكما كان الجدرى والتيفود العامل الحاسم فى إبادة الهنود وتكوين الامبراطورية الأمريكية فيما بعد, قد يكون فيروس كورونا هو السبب فى انهيار أمريكا وأوروبا، وإعادة تشكيل العالم بطريقة دراماتيكية مباغتة لم تخطر على بال أحد أبدا، دون أن يعرف أحد على وجه اليقين هل هذا الفيروس هو جزء من حرب بيولوجية أم أنه جائحة طبيعية وأحد غضبات الطبيعة على البشر وفسادهم وطغيانهم، وفى كلتا الحالتين فإن هذا الفيروس سوف يعيد تشكيل العالم بطريقة تعجز عنها أعتى الجيوش وأقوى الإمبراطوريات.


لمزيد من مقالات محسن عبد العزيز;

رابط دائم: