جمعنا جميع الجمل والمفردات والمترادفات فى الماضى القريب، التى تكشف وتفسر خطورة القضايا البيئية فى الوطن العربى وأبرزها النفايات والملوثات والمواد الخطرة، ولكن هناك قضية أخطر وراء تفاقم الأزمات البيئية وآن الأوان أن نتطرق اليها، وهى تجاهل الحكومات والشعوب العربية لقضية المخاطر البيئية، وعدم وضع هذه المخاطر فى الخانة المناسبة فى مربع الاهتمامات السياسية والشعبية بالوطن العربى، فكيف سيكون هناك حلول لمواجهة القضايا البيئية التى تصل مخاطرها لدرجة الدمار مثل النفايات النووية، بينما ليس هناك ظهير إعلامى وسياسى للتوعية بالأزمات البيئية ودعم مادى ومعنوى من الحكومات لمواجهة هذه المخاطر؟.
ليست هناك صحيفة بيئية فى الوطن العربى وليست هناك ولو دقائق معدودة فى برامج التوك شو المنتشرة فى الفضائيات العربية مخصصة لمناقشة القضايا البيئية، فكيف ستصل للشعوب والحكومات فى الوطن العربى أهمية الأزمات البيئية.
كما أن انعدام الوعى الشعبى بالمخاطر البيئية سيجعل الوصول إليها أمرا صعبا، وبطبيعة الشعوب العربية لا تميل لمعرفة القضايا البيئية، والدليل على ذلك أن قرابة 95% من الشعوب العربية لا يعرفون اسم وزير البيئة فى بلادهم. ولكى نقوم بحملات توعية للشعوب العربية لمساعدتنا فى مواجهة القضايا البيئية ، فالأمر يحتاج إلى ملايين لترسيخ القضايا البيئية عن طريق إصدار صحف بيئية فى الوطن العربى، وإنشاء مواقع إلكترونية، ونشر صفحات ممولة على مواقع التواصل الاجتماعى لتصل لأكبر عدد من المواطنين ، بخلاف عمل إعلانات توعية متطورة، فى الفضائيات العربية الأكثر مشاهدة التى تبيع دقيقة الهواء بأسعار خيالية، فكيف يحدث ذلك ولا يوجد دعم عربى للمراكز البيئية للقيام بهذا الدور.
نحتاج إلى تصميم برامج وحملات توعية بمخاطر البيئة للوصول بشكل مؤثر وتوعية المواطنين ، بأهمية دور كليات الإعلام بالعالم العربى فى النهوض بقضايا الإعلام البيئى، لتوجيه الرأى العام وتوعيته بقضايا ومشكلات البيئة، وإحداث تغيير سلوكيات الأفراد تجاه مشاكل البيئة، وعدم الوقوف فى دور المتفرج السلبى، وضرورة تأهيل الإعلاميين وتدريبهم فى بيوت خبرة متخصصة، وخلق حوار جاد بين الباحثين والأكاديميين فى مجال الإعلام البيئى، للارتقاء بمستوى المعالجات الإعلامية لقضايا البيئة.
نحتاج انتفاضة توعية إعلامية لنخرج من دائرة المناقشات والتوصيات محدودة المشاهدة، والوصول إلى العامة، ولكن كيف نفعل ذلك، بينما الدول الأوروبية تقوم بدعم المراكز البيئية البحثية، لمواجهات الكوارث البيئية فى الوطن العربى، بينما حكومات الدول العربية نفسها لم ترصد أى دعم أو ميزانية للمراكز البيئية والبحثية فى هذا الشأن؟ أعتقد أن هذا تناقض عجيب.
وعلينا أن نعترف أن الأبحاث البيئية أو العلمية وقضية التوعية، ليست فى حسابات حكوماتنا، نحن فى مأزق حقيقى ، الكوارث متفاقمة والتوعية معدومة، والإمكانيات للوصول إلى حلول جذرية لهذه الكوارث تكاد تكون ليس لها هامش فى ميزانيات الدول العربية، وما تفعله المراكز البيئية بمثابة صيحة استغاثة وليس هناك من مغيث يقدر الموقف جيدا خاصة فى جوانب الدعم المالى لتحقيق أهدافنا.
وعندما كنت وزيرا للبيئة بجمهورية مصر العربية، حاولت اختراق الدراما المصرية، وعقدت جلسة مع عدد من المنتجين ومؤلفى المسلسلات المصرية، لإقناعهم بوضع خط ولو رفيعا فى أعمالهم الدرامية عن المخاطر البيئية التى تهدد الوطن العربى، خاصة وأن الدراما هى القوة الناعمة التى تغزو العقول بإمتاع وتشويق وإثارة، يفتقدها علماء البيئة فى طرح وجهات نظرهم بسبب المعانى العلمية التى تبدو معقدة، وبالفعل نجحت التجربة وخرجت 3 مسلسلات للنور تضمنت رسائل توعية بيئية بصورة غير مباشرة. ولكن ما يجعلنى أشعر بالمرارة التى تبدو كالعلقم، أن هناك أعمالا درامية يتخللها دعاية إعلانية للترويج للنفايات كهذه التى تروج أجهزة كمبيوتر مستوردة ومتهالكة وعمرها الافتراضى لا يتعدى عدة شهور، للتخلص منها فى الوطن العربى. هناك بالفعل ضرورة ملحة لإعداد مواد وبرامج إعلامية جاذبة بالتوعية البيئية، سواء فى شكل درامى أو غنائى مع وضع تعريف جامع لنقل التكنولوجيا تمهيدا لوضعه فى مقررات دراسية، وطرح دبلومات مهنية عن الإعلام والبيئة ووضع خريطة للإعلام ليقوم بدور مؤثر فى البيئة.
وأتمنى أن تشهد الدول العربية انتفاضة علمية بيئية قبل فوات الأوان، ووقوع الكارثة وتكلفة علاجها يفوق آلاف المرات دعم المراكز البيئية التى تقوم بدور الوقاية ، عن طريق التواصل مع البلدان العربية ولم الشمل تحت مظلة بيئية واحدة .
فليس منطقيا أن يعتقد أحد أن مخاطر النفايات الخطرة والملوثات، على سبيل المثال لا الحصر، لن تطاله، فهذه المخاطر تحلق فوق رءوسنا ورءوس أبنائنا وأحفادنا، فالملوثات وباء وآفة الألفية الثالثة، ولن يستطيع أحد التحصن منها إذا استمرت عقارب الساعة تدور بسرعتها الجنونية، ونحن مازلنا ندور ببطء فى فلك التوصيات، ومازال الطريق شاقا وطويلا، مليئا بالأشواك، وفى النهاية لا يبقى لى سوى أن أقول: لاتتناسوا أن الحروب الحديثة، لم تعد تعتمد على تبادل إطلاق النيران بل هناك أسلحة بيئية، عن طريق تدمير البيئة ، فلو علمنا المليارات التى ترصدها إسرائيل للأبحاث البيئية والعلمية لخجلنا من أنفسنا، خاصة أنها أكبر من ميزانية الأبحاث العلمية والبيئية فى كل الدول العربية، فأغيثوا أنفسكم بالدعم المناسب.
> وزير البيئة الأسبق
لمزيد من مقالات د. مصطفى حسين رابط دائم: