يَأْتى الشَّتَاءُ..
وَكُلُ ضَوْءٍ فِى جَوَانِحِنَا تَواْرَى وَاخْتَنَقْ
الْمَوْتُ يَعْبَثُ فِى الشَّوَارِعِ
كُلُّ شَيْءٍ فِى الْمَدِينَةِ ذَابَ حُزْنَاً وَاحْتَرَقْ
الْمَوْتُ يَقْتَحمُ الْحُدُودَ وَيَعبُرُ الآفَاقَ
يَجْتَاحُ الْمَدَى
لَا شىْءَ يَعِصمُنا مِنَ الطُّوفَانِ
كُلُّ الْكَوْنِ فِى خَوْفٍ غَرَقْ..
هَذَا شِتَاءُ الْعِشْقِ
أم هَذَا ِشتَاءٌ لِلْأَرَقْ
إنْ كَاْنَ آِخرُنَا الرحِيلُ
لِمَ الْبُكَاءُ عَلَى تِلَالٍ مِنْ وَرَقْ
◘◘◘
لِمَ لَا أُحِبُّكِ قَبْلَ أَنْ نَمْضِى
وَنُلْقِي خَلْفَنَا الَّزمَنَ الرَّدِئْ
كُلُّ الأماني سافرتْ
وَأنا وَانتِ علي الشَّوَاطِئِ
فِى انْتِظَاْرِ سَفِينَةٍ تَاْهَتْ
وَحُلْمٍ لَا يَجىْء
◘◘◘
هَذَا شِتَاءُ الْمَوْتِ
أَمْ هَذَا شِتَاءٌ لِلْغَضَبْ
الناسُ حولي يَسْأَلُونَ جِراحَهُمْ
هَلْ كُلُّ شِيْءٍ فِى الْحَيَاةِ بلا سَبَبْ؟!
نَأْتِى الْحَيَاةَ بِلَا سَبَبْ!!
حَتَّي الرَّحِيلُ بِلَا سَبَبْ
الْمَوْتُ يَحْصُدُ كُلَّ عُشَّاقِ الْحَيَاةِ
وَلَا نَرَى غَيْرَ الْعَجَبْ
هَذَا مصِيرُ الْعاشِقَينَ وَكُلُّ إِنسانٍ أَحَبْ
فِى آخَرَ الْمشْوَارِ
طيْفُ سِفينَةٍ غَرَقَتْ وَأفَّاقٌ هربْ
تَبْدُو السَّمَاءُ سَحَابَةً سَوْدَاءَ
يَغْدُو الطَّيرُ أَشْبَاحَاً
وُجُوهُ النَّاسِ يُدْمِيهَا التَّعَبْ
◘◘◘
يَأْتِى الشَّتَاءُ وَبَيْنَنَا
لَيْلٌ طَوِيلٌ لَمْ يَنَمْ
أَغْمَضْتُ عَيْنِي كَىْ أُرَاكِ
فَيَسْتَغِيثُ الشَّوْقُ فِى صدرِيِ
وَيَخْنِقُنى الْأَلَمْ
كَمْ عِشْتُ أَحْلُمُ أَنْ أَرَى يَوْمَاً
شِتَاءً مِنْ حَنِينٍ مِنْ أَمَانٍ مِنَ نَغَمْ
اللَّيْلُ يَخْدَعُنِي فَلَا أَنَا نَائِمٌ
كُلُّ الْفُصُولِ تَغَيَّرَتْ
وَأَنَا وَحيدُّ مِثْلَ كُلِّ النَّاسِ
أَسْأَلُ سَقْفَ بَيْتِى
أَسْأَلُ الْجُدْرانَ وَالْغُرَفَ الْحزِينَةَ
كُلُّ شِىءٍ فِى زَوَايَا الْبَيْتِ يَشْعُرُ بِالسَّأمْ
هَذَا شِتَاءُ الْمَوْتِ أَمْ هَذَا شِتَاءُ الْعِشْقِ
أَمْ زَمَنُ التَّفَاهَةِ وَالْوضَاعَةِ وَالنَّدَمْ
◘◘◘
لَيْلٌ طَويلٌ خَلَفَ أَسْتَارِ النَّوَافِذِ يَنْتَظِرْ
وَأَنَا أُحَدَّقُ وَالْقَصَائِدُ بَيْنَ أَحْضَاِنى
صَغِيرٌ يَحْتَضِرْ..
لِمَ لَا أُحِبُّكِ
قَبْلَ أَنْ تَنْسَي النَّواْرِسُ مَا تَبَّقَى
مِنْ أَغَانِينَا الْجميِلَةْ..
لِمَ لَا أُحِبُّكِ وَاللَّيَالِي الغَائِمَاتُ
رَمَادُ أَحْلْامٍ بَخِيلَةْ
هَذَا زَمَانُ الْمَوْتِ
وَالدُّنْيَا أَمَانٍ مُسْتَحِيلَةْ
لِمَ لَا أُحِبُّكِ قَبْلَ أَنْ نَمْضِى
وَتُلْقِينَا الرَّيَاحُ إِلَى الرَّيَاحْ
كُلُّ الَّذِى أَبْقَتْ لَنَا الأيَّامُ يَا عُمْرى
جِرَاحٌ تَشْتَكِي طُولَ الجِرَاحْ..
◘◘◘
كَمْ مَرَّةٍ أَحْبَبْتُ لَا أَدْرِى
فُصُولُ الْحُبِّ تُنِكِرُ بَعْضهَا.. إِلَّا الشِّتَاءْ
يَأْتى حَزِينا شاحِبا بَيْنَ الْفُصُولِ
يَحَنُّ دَوْما لِلْبُكاءْ..
وَأَنَا أُحِبُّكِ
كُنْتِ فِى الْعُمُرِ الْحَزِينِ
بِدَايَةَ الدُّنْيَا وَكُنْتِ نِهَايَةَ الْأَشْيَاءْ
كُنْتِ الْفُصُولَ جَمِيعَها
حَتَّي وَإنْ رحَلَتْ طُيُورُ الْعِشْقِ
كَاَنتْ لَا تُفِارِقُ شُرْفَتِي
قَدْ كَانَ يُطْرِبُهَا مَعَ الْبُعْدِ الْغِنَاءْ
مَا خنْتُ قَلْبي ذَاتَ يَوْمٍ
وَاسْأَلِي عَنَّي وُجُوهَا سَافَرَتْ
مَاِزلْتُ أَذْكُرُهَا وَتَذْكُرُنِى
وَنَرْسُمُ فِى الْمَدَي لَحْنَ الْوَفَاءْ
لِمَ لَا نُحِبُّ الْآنَ
وَالدُّنْيَا ظَلَاُمٌ فِى ظَلَامٌ
مَا أَجْمَلَ الْأَشَوَاقَ وَالدُّنْيَا حُطَامْ
مَا أَجْمَلَ الْعِشْقَ الْمُسَافِرَ فِى الدِّمَاءِ
وَنَبْضَ قَلْبٍ لَا يَنَامْ
إِنِّي أُحِبُّكِ
وَسْطَ أَشْبَاحٍ تُطَارِدُنِي
وَتُلْقِينِي وَحِيدَاً فِى الزَّحَامْ
الْمُوْتُ عِشْقَاً
أَجْمَلُ الْأَشْياءِ فِى هَذِى الْحَيَاةْ
مَا أَجْمَلَ الْأَشْوَاقَ فِى وَجْهٍ بَعِيدٍ
لَا يَرَاَكَ وَلَا تَرَاهْ
مَا أَجْمَلَ الذِّكْرَي إِذَا صَارَتْ
حَنِينَاً فِى الضِّلُوعِ
وَرَعْشَةً فَوْقَ الشِّفَاهْ
حَتَّى الرَّحِيلُ عَنِ الْأَحِبَّةِ
لَنْ يَكُونَ نِهَايَةَ الْأَشْيَاءِ
إِنَّ لِكُلِّ شَيْ مُنْتَهَاهْ
وَالْمَوْتُ عِشْقَا يَمْنَحُ الْحُبَّ الْحَيَاةْ
◘◘◘
النَّاسُ تَجْلِسُ فِى الْبُيُوتِ
كَأَنًّهَا سَجْنٌ صَغِيرْ
تَبْدُو عَلَى الْجُدْرَانِ أَشْبَاحٌ
بِلَوْنِ الْقَهْرِ فِى سَجْنٍ كَبِيرْ
وَعَلَى رُفَاتِ الْأَبرِيَاءِ
صُرَاخُ قَلْبٍ أَوْ دُمُوعٌ أَوْ ضَمِيرْ
إِنِّى أُحِبُّكِ
رَغَمَ أَنَّ السَجْنَ عَلَّمَنِىَ الْكَثِيرْ
هِىَ لَيْلَةٌ كَانتْ خَفَافِيشُ الظَّلَامِ تُحيطُنِى
وَاَنَا ألُمِلمُّ مَا تَبَّقى
مِنْ رَمَادِ الْحُلْمِ وَالْعُمُرِ الْقَصِيرْ
إِنَّى أُحِبُّكِ
ضَاقَتْ الْأَشْيَاءُ فِى عَيْنِى
سُجُونُ الْقَهْرِ وَالزَّمَنُ الضَّرِيرْ
أَنَا لَا أَخَافُ الْمَوْتَ
أعْرِفُ أنَّهُ قُدُرٌ
وَأَنَّ نِهَايَةَ الْمِشْوَارِ آخِرُهَا الدُّمُوعْ
فِى الْمَوْتِ تَبْدُو فُرْقَةُ الْأَحْبَابِ
جُرْحٌ لَا يَطِيبُ وَلَيْسَ لِلْمَوْتَى رُجُوعْ
هَيَّا لِنَشْرَبَ مَا تَبَقىَّ
مِنْ كئُوسِ الْحُبِّ فِى هَذَا الزَّمَنْ
لَا تَسْأَلِينِى عَنْ بِلَادٍ
أَوْ سُجُونٍ أَوْ وَطَنْ
مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ الْمَآسِى
فَاقَ كُلَّ مَصَائِبِ الدُّنْيَا
وَمَا ذُقْناهُ فِى كُلِّ الْمِحَنْ
هَيَّا لِنَقْرَأ مَا تَبقىَّ مِنْ عَبِيرِ قَصَائِدِى
لَا تَسْأَلِينِى عَنْ زَمَانٍ
أَوْ عُهُودٍ أَوْ شَجَنْ
فِى آخرِ الْمِشْوَارِ صِرْناَ لُعْبَةً
يَلْهُو بِهَا السُّفَهَاءُ فِى سَجْنٍ كَبِيرٍ
لَا حَيَاةَ وَلَا أمَانَ وَلَا سَكنْ
لِمْ يَبْق لِى شىءٌ سِوَى عَيْنِيكِ
آَخِرَ مَا تَبَقَّى
مِنْ زَمَانِ الْحُزِنِ .. أَيَّامِ الشَّجَنْ
◘◘◘
أَمْضِى وَحِيدَاً
أجْمَعُ الْأَوْرَاقَ حَوْلِى
كُلُّ مَا بَقَيَتْ قَصَيدَةْ
هِىَ كُلُّ مَا أَبْقَتْ لِىَ الْأَيَّامُ
رَغْمَ الْحُزْنِ كَانَتْ فرْحَةَ الْعُمُرِ الْوَحِيدَةْ
فِيهَا حَلُمْتُ بِأُمِّةٍ نَهَضَتْ
وَأوْطَانٍ عَنِيدَةْ
وَعَلَى ثَرَاهَا عِشْتُ رَغَمَ الْقَهْرِ أَيَّاماً سَعِيدَةْ
مَاِزلْتُ أَحْلُمُ
رَغْمَ أَنَّ الْحُلْمَ الْقَاِنى عَلَى الطُّرُقَاتِ
أَنْغَامٌ طَرِيدَةْ
هَيَّا لِنَكْتُبَ قَبَلَ أَنْ نمْضِىَ
حِكَايَتَنَا مَعَا..
حَتَّى وإَنْ كَانَتْ دُمُوعَاً فِى قَصِيدَةْ
◘◘◘
وَمَضَى الشِّتَاءْ
وَاهْتَزَّتِ الدُّنْيَا
وَضَاقَ الْكَوْنُ بِخَطَايَا الْبَشَرْ
قَتَلُوا الْأَجِنَّةَ فِى الْبُطُونِ
وَشَوَّهُوا وَجَهَ الْقَمَرْ
نَشَرُوا الْخَرَائبَ
نَصَّبُوا الطُّغْيَانَ وَاغْتَالُوا الشَّجَرْ
بَاعُوا كَلَامَ اللهِ مِنْهُم
مَنْ تَنَكَّرَ.. مَنْ تآمَرَ..مِنْ كَفَرْ
وَالْآنَ جَاءُوا يطْلُبُونَ الصَّفْح وَالْغُفْرَانَ
مَنْ أيْدِى الْقَدَرْ
ظَمَأُ السِّنِينَ يَثُورُ فِى أعْمَاقِنا
وَأَنَا وَأَنْتِ عَلَى ضِفَافِ النَّهْرِ
لَا ماءَ هُنَاكَ وَلَا مَطَرْ
ضَاقَتْ بِنَا الدُّنْيَا
وَفَرَّقَنَا مَعَ الْخَوْفِ الْحَذَرْ
هَلْ مِنْ مَكَانٍ يَحْتَوِينَا لَا أَرَى
كُلُّ الأَمَاكنِ فِى خَطَرْ
لِمَ لَا أُحِبُّكِ
قَبْلَ أَنْ تَمْضِىَ بِنَا الْأَيَّامُ
وَيَضَيعُ الْعُمُرْ
كُلُّ الأَمَاكِنِ أَغْلَقَتْ أبْوَابَهَا
يَا سَادَتِى.. أَيْنَ الْمَفَرْ
كَمْ قُلْتُ إِنَّ الْأَرْضَ تَخْسرُ كُلَّ شَىءٍ
حِينَ تَغْتَالُ الْبَشَرْ
كَمْ قُلْتُ إِنَّ الْأَرْضَ ضَاعَتْ
حِينَ غَابَ الْحَقُّ وَالْعَدلُ انْتَحَرْ..
كَمْ قُلْتُ إِنَّ الْأَرْضَ أَعْمَاهَا الضَّلَالُ
فَلَاَ بَصِيرَةَ فِى الْقُلُوبِ وَلَا بصرْ
كَمْ قُلْتُ إِنَّ الْأَرْضَ أَغْرَقَهَا الْفَسَادُ
وُكُلُّ طَاغِيةٍ فَجَرْ
لَا مُلَكَ بَعْدَ اللهِ
يُمْهلُ إِنْ أرَادَ وَلَا يُسَامِحُ مَنْ كَفَرْ
ضَاقَت بِنَا كُلُّ الْبِلادِ
فَلَا لِقَاءَ وَلَا آمَانَ وَلَا سَفَرْ
فِى آخر الْمِشْوارِ أَدْرَكْنَا الْحَقِيقَةَ كُلَّهَا
هَذِى نِهَايَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ
تَجَبَّرَ.. أَوْ تَآَمَرَ... أوْ غَدَرْ
[email protected]لمزيد من مقالات هوامش حرة يكتبها ــ فاروق جويدة رابط دائم: