رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

القوة والضعف فى الرهانات الإثيوبية

الأمر المؤكد أن التهرب الإثيوبى من التوقيع على مسودة الإتفاق النهائى الخاص بـ «سد النهضة» الإثيوبى الذى رعته الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولى وجاء ثمرة مفاوضات مكثفة على مدى أربعة أشهر مضت جرت فى العاصمة الأمريكية بمشاركة وزراء الخارجية والموارد المائية والخبراء واللجان الفنية فى مصر وإثيوبيا والسودان، لم يأت من فراغ، ولكنه تهرب مدروس تطور إلى تبجح متعمد حفزها على العمل من أجل فرض ما تراه من «حقوق سيادية» إثيوبية فى السد تعطيها الحق فى فرض حقوق سيادية موازية فى امتلاك نهر النيل الذى يقام عليه هذا السد على النحو الذى تحدث به وزير الخارجية الإثيوبى بقوله: إن «الأرض أرضنا، والمياه مياهنا، والمال الذى يبنى به سد النهضة مالنا، ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه».

هذا التبجح الإثيوبى مفعم بالكثير من الدلالات التى من أبرزها أن زمن التفاوض حول حقوق مصر المائية، قد انتهى، وهذه هى الرسالة التى يجب أن تعيها مصر من الآن وألا تقبل نهائياً بأى محاولة من أى طرف للدخول مجدداً فى التفاوض. أما الدلالة الأهم فهى أن هذا التعنت والتبجح الإثيوبى يستند على عوامل قوة تراها إثيوبيا كفيلة بإخضاع مصر وإجبارها على القبول القسرى بما تريده. ويمكننا أن نجتهد فى حصر أبرز مصادر قوة الموقف الإثيوبى فى الآتي:

ـ النجاح الفعلى فى بناء السد بموافقة مصرية، أى أن السد تحول إلى «أمر واقع»، وأن هذا الواقع يستند إلى ركائز مهمة فى مقدمتها أن إثيوبيا هى «دولة المنبع» فمن إثيوبيا يستمد نهر النيل 80% من مصادره المائية، من خلال «النيل الأزرق» الذى ينبع من الهضبة الإثيوبية. هذا المنطق الإثيوبى مفعم بالمغالطات. فنهر النيل من منظور القانون الدولى يعتبر «نهراً دولياً» يمر بـ 11 دولة، ما يجعل استغلال مياهه مشروطا بمصالح باقى الدول. وقواعد استخدام مياه الأنهار أكدتها المحاكم الدولية فى الكثير من النزاعات التى تفجرت حول تقاسم مياه الأنهار، كما أن محكمة العدل الدولية أرست مبادئ مهمة تحكم استخدام الأنهار من خلال النزاعات التى تدخلت فى حلها فى مناطق كثيرة من العالم، والعمل فى هذا الاتجاه مهمة مصرية أساسية من الآن.

ـ من مصادر هذه القوة أيضاً الركون الإثيوبى إلى وجود توافقات بينها وبين معظم دول حوض نهر النيل. فالجولة التى قامت بها الرئيسة الإثيوبية سهدورق زودى إلى كل من كينيا وأوغندا ولقاؤها بالرئيسين الكينى أوهورو كينياتا والأوغندى يورى موسيفينى عقب التمرد الإثيوبى على مشروع الاتفاق النهائى جاءت ضمن هذا المسعى الذى يستهدف خلق تكتل من دول حوض النيل ضد مصر. لذلك يجب أن تتعامل مصر بجدية وحذر مع هذا المسعى التخريبى لعلاقات مصر بدول حوض النيل خاصة فى ظل ما يمكن اعتباره تجاوباً من الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى مع الدعوة الإثيوبية بتأكيده فى لقائه مع الرئيسة الإثيوبية على «أهمية ضمان الاستخدام العادل لمياه نهر النيل، وضرورة عقد قمة أفريقية عاجلة لدول حوض النيل حتى يتمكن رؤساء الدول من إجراء نقاشات صريحة حول قضايا النيل.

ـ من مصادر هذه القوة أيضاً، وربما أهمها، نجاح إثيوبيا فى عقد تحالف مصالح إثيوبى إسرائيلى أضحى عملياً يؤسس لتحالف، أو على الأقل «شراكة ثلاثية إثيوبية- إسرائيلية- أمريكية»، وأن مصر لن تستطيع أن تعتدى على إثيوبيا فى ظل ما تفرضه هذه الشراكة من دعم وتعهدات إسرائيلية وأمريكية. مصر مطالبة بأن تتعامل بجدية مع هذا الأمر مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. خاصة ما كشفت عنه زيارة مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكى للعاصمة الإثيوبية قبل أسبوع واحد من موعد التوقيع على الاتفاق الذى رعته بلاده وإعلانه من هناك فى أديس أبابا أن هذا الاتفاق «لن يوقع فى موعده وربما يستغرق الأمر عدة أشهر». مصر مطالبة أيضاً بالتعامل مع الدعم والانحياز الإسرائيلى للموقف الإثيوبى فى ظل معلومات تتردد، مطلوب من مصر أن تتأكد من جديتها بأن «الدفاعات الجوية الإسرائيلية هى التى تتولى مهمة الدفاع عن السد الإثيوبي». مصر تدرك، عن يقين، وجود أطماع إسرائيلية تاريخية فى مياه نهر النيل. ومصر لديها أوراق ضغط قوية فى التعامل مع إسرائيل، ومن الضرورى فتح كل الملفات بشفافية لأن مياه النيل بالنسبة لمصر هى مسألة «حياة أو موت».

ـ كما ترتكز إثيوبيا فى تعنتها فى التعامل مع مصر على اختراقات قامت بها فى الجبهة العربية، أى شق وحدة الموقف العربى الداعم لمصر سواء مع السودان أو مع دول خليجية شاركت فى تمويل وبناء السد وتعتقد أن لها مصالح مع إثيوبيا فى القرن الأفريقى وشرق أفريقيا أو كورقة لتطويع الموقف المصرى فى قضايا خلافية عديدة. لقد نجحت إثيوبيا مؤخراً فى الانحراف بالموقف السودانى ومصر مطالبة بمعالجة كل هذه الاختراقات وخاصة العلاقة مع السودان التى تعتبرها إثيوبيا أهم أوراق الضغط على مصر باعتبارها الشريك الثالث فى النزاع حول السد الإثيوبى، والعمل على توحيد الصف العربى عملياً وفعلياً وليس فقط بالبيانات والشعارات التى تزيد الموقف الإثيوبى تعنتاً . وإذا كانت إثيوبيا تثق فى مصادر قوتها فعليها أن تدرك أن مصر قادرة فعلياً على تفكيك كل، أو على الأقل، أغلب مصادر تلك القوة، بل عليها أن تدرك أيضاً أن مصر تعى جيداً مصادر الضعف الإثيوبية وأنها قادرة على توظيف مصادر الضعف هذه بما يجبر المسئولين عن السياسة الإثيوبية إلى العودة إلى موقف عاقل ورشيد، وأن مصر الحريصة على عدم الإشارة بأى شكل كان، إلى استخدام القوة للدفاع عن مصالحها، لديها الكثير من أوراق القوة الأخرى لتعديل الموقف الإثيوبى فى الاتجاه الصحيح.


لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس

رابط دائم: