رُبَ ضارة نافعة، إذ تبدو جلية الأضرار الاقتصادية والاجتماعية جراء انتشار فيروس كورونا في العالم كله، لكن المفارقة هنا ما رصدته أخيرا الأقمار الصناعية في بعض الدول الموبوءة، موضحةً التقاط الأرض أنفاسها بعد توقف سلوكيات البشر الملوثة للكون بسبب التدابير الوقائية، فقد رُصد الانخفاض الهائل في معدلات التلوث في دول بها معدلات انتشار واسعة لفيروس كورونا، كالصين وإيطاليا، فبسبب إعلان حالات الطوارئ والحجر المنزلي تزامناً مع إغلاق جميع المصانع والمنشآت التجارية الضخمة، انخفضت معدلات تلوث الهواء الناجمة عن المعامل وحركة المرور وغيرها بشكل كبير نتيجة انخفاض معدلات انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين، «غاز ضار ينبعث من محطات توليد الطاقة والسيارات والمصانع».
وأشارت الدراسات البيئية إلى انخفاض نسبة تلوث المناخ في العالم لتقترب من 48% من النسب المسجلة في السنوات والشهور السابقة، وتُعد الصين من أكثر دول ومدن العالم تلوثا، حيث ترتفع فيها نسب تلوث الهواء والغازات الدفيئة بصورة كبيرة، والأمر الملفت حقاً ما أظهرته الصور المذهلة التي التقطتها أقمار مراقبة التلوث، حيث سجلت انخفاضاً كبيراً في الغازات السامة فوق الصين خلال الأسابيع القليلة الماضية، ويرجع ذلك جزئياً إلى التباطؤ الاقتصادي جراء تفشي هذا الفيروس المستجد، وكذلك ما تراءى للعيان في صور وكالة ناسا بوجود سحابة صفراء من غاز ثاني أكسيد النيتروجين تغطي مساحة واسعة من الأرض شمال مدينة ووهان «منشأ كورونا» خلال الأسابيع القليلة الأولى من شهر يناير الماضي، وتلاشي هذه السحابة تماماً بحلول منتصف فبراير.. وبسبب الإجراءات الحاسمة ومنها الحجر الصحي المنزلي الإجباري تراجعت نسبة تلوث الهواء الى ما يقرب من 30% مما كانت عليه.
إن قضية السيطرة على انتشار فيروس كورونا ذات أهمية كبيرة عالميا، فالحد من التلوث الذي يعانيه كوكبنا أكثر أهمية، إذ تأتي النار من مستصغر الشرر، وقد أفادت منظمة الصحة العالمية في تقريرها الصادر فى15 مارس 2016، وفاة ما يقرب من 12.6 مليون شخص في العالم عام 2012 نتيجة للظروف المعيشية الصعبة أو العمل في بيئة غير صحية، كما ذكرت أن عوامل الخطر البيئي مثل الهواء والماء وتلوث التربة، والتعرض للمواد الكيميائية، وتغير المناخ، والأشعة فوق البنفسجية جميعها تساهم في تفشي أكثر من مائة مرض، وفى ذلك يحضرني قول المولى عز وجل «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ».
د. رجب إسماعيل مراد
أستاذ بجامعة مطروح
رابط دائم: