نفّذت وزارة الموارد المائية والرى عددا من مشروعات حصاد مياه الأمطار بمصر خلال السنوات العشر الماضية بهدف الاستفادة منها وحماية المنشآت ومشروعات البنية الأساسية من مخاطر السيول، بالإضافة إلى تغذية خزانات المياه الجوفية، وغيرها من عوائد اقتصادية واجتماعية وبيئية، وأثبتت بعض تلك المشروعات فعالية كبيرة عند الاختبار الحقيقى فى «عاصفة التنين» الشديدة التى تعرضت لها مصر وتسببت فى هطول كميات كبيرة من مياه الأمطار وجريان السيول فى العديد من الأودية بعد امتلاء البحيرات والسدود الجبلية، ولولا فضل الله ومشروعات حصاد مياه الأمطار والحماية من أخطار السيول التى أقيمت وتقام حاليا فى مناطق متعددة بمصر لكانت الخسائر لا تقدر بثمن، ولذلك من الضرورى تقييم العوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لمشروعات حصاد مياه الأمطار بما فيها القيمة المضافة على قطاعى الزراعة والسياحة والتنمية المحلية والجدوى الكلية لها.
ولا شك أن التقييم عامل أساسى وضرورى للاستفادة من المشروعات الفعالة واتخاذ إجراءات تصحيحية لتلك التى غابت عنها بعض الأمور الفنية فقلت كفاءة المشروعات، مثل فقد القدرة التخزينية لبعض البحيرات نتيجة تراكم الرواسب بها، وانسداد قاع أحواض الترشيح بالطمى، وانحسار عمليات التغذية للخزانات الجوفية، وغيرها من أمور فنية تسببت فى انهيار بعض مناطق مجارى السيول على الطرق الجديدة مثل طريق النفق – شرم الشيخ، بالإضافة إلى عدم إقرار آلية للتشغيل والمتابعة، فأهمية تصريف السيل بعيداً عن الأماكن الحيوية كالطرق والمناطق السكنية تماثل أهمية تجميع وحفظ المياه فى أماكن أخرى، كما أن المياه المتجمعة خلف السدود فى البحيرات الجبلية والأودية لم يتم إقرار آلية للانتفاع بها بطريقة فعالة وتُركت لأهل المكان لتنظيم ذلك فيما بينهم.
إن التخطيط المتكامل مطلوب مع ضرورة إشراك أهل المكان فى آلية التشغيل والاستفادة من المياه بطريقة اقتصادية وفعالة، وتأسيس جمعيات أهلية لإدارة وتشغيل تلك السدود وتنظيم توزيع المياه على غرار جمعيات مستخدمى المياه التى تمت تجربتها من قبل على مياه عين الجديرات بالقسيمة بوسط سيناء، والتوصية بزراعة أشجار تناسب ظروف المكان مثل التين والزيتون واللوز والنخيل والأنواع الأخرى التى تتحمل الجفاف الممتد بأقل كميات مياه واستخدام نظم رى فعالة تساعد فى ترشيد استخدام المياه مع تمهيد الطرق وإنشاء نقاط دعم لسياح السفارى حول تلك البحيرات الجبلية على غرار ما تم تنفيذه حول سدود وبحيرات وادى دجلة للاستمتاع بالمناظر الطبيعية ومشاهدة الطيور المهاجرة التى عادة ما تستريح حول تلك البحيرات ثم تكمل رحلتها.
ويعد تقييم المشروعات بعد تنفيذها أمرا ضروريا للتعرف على التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وزيادة تفاعل متخذى القرار وتبرير التدخلات، وتحقيق الكفاءة فى توجيه الاستثمارات وتوفير التمويل اللازم للتنفيذ فى المستقبل، وتؤدى إعـادة فهـم وصـياغة اقتصاديات مشروعات حصاد مياه الأمطار والعوائد المرتبطة بها إلى إدراك جدوى الاستثمار بتلك المشروعات، وتفتح المجال لتحريك المشروعات الكثيرة المؤجلة والمعطلة لأسباب ومبررات ترتبط بنقص التمويل المتاح.
إننى أدعو إلى استحداث وحدة لتقييم المشروعات بمجلس الوزراء تستعين بالعلماء والخبراء ذوى الخبرة لإعداد التحليلات الاقتصادية والتقييم الفنى لمشروعات حصاد مياه الأمطار وغيرها من مشروعات من خارج منظومة قطاع التنفيذ لتلك المشروعات، وذلك لضمان عدم تضارب المصالح وإنجاز التقييم الفعال بحيادية وشفافية لمصلحة الوطن ورفاهية أبنائه.
د. كمال عودة غُديف
أستاذ المياه بجامعة قناة السويس
رابط دائم: