مع انتشار فيروس كورونا المستجد فى دول عديدة حول العالم - والذى يمكن اعتباره أكثر وباء مرعب تواجهه الإنسانية فى العصر الحديث بسبب سرعة انتشاره وانتقال عدواه بين الافراد - تسابق الحكومات الزمن فى بحث حثيث عن وسائل لاحتواء الفيروس والعمل على انحساره، قبل ان تقوم بحصر أضراره التى ستكون بالغة على الاقتصاد. وقد اضطرت جل دول العالم الى إغلاق مطاراتها فى وجه الرحلات الدولية، والى إغلاق المدارس فى وجه مئات الملايين من الأطفال حول العالم، وربما ستضطر دول أخرى، فى نهاية المطاف، إلى اتخاذ قرارات قاسية مثل فرض حالة الطوارئ وعزل مجتمعات بأكملها.
عندما انتشر فيروس سارس فى 2003 تسبب فى خسائر للاقتصاد العالمى قدرت بنحو 50 مليار دولار، بينما تسبب فيروس ميرس الذى انتشر فى كوريا الجنوبية عام 2015 فى تراجع حركة السياحة إليها بنحو 41%، بحيث اضطر البنك المركزى الكورى لخفض الفائدة بشدة لإنقاذ اقتصاد البلاد الكلى الذى تأثر جراء انتشار الفيروس. من ناحية، هناك التداعيات المباشرة لفيروس كورونا والمتمثلة فى الخسائر فى الأرواح، وفرض حجر صحى على مناطق او على دول بأكملها، مما سيؤدى الى شلل كامل وتعطيل للاقتصاد. ومثلما تسبب هذا الامر فى إفلاس العديد من الشركات الصغيرة فى الصين، فمن المحتمل ان يعرض مثيلاتها فى أوروبا وامريكا والدول العربية المتضررة الى ذات النهاية. ومن ناحية أخرى، سيكون لكورونا تداعيات اخرى غير مباشرة ناجمة عن تراجع ثقة المستهلكين واستثمارات القطاع الخاص، واحتمالات حدوث ازمة كبرى للأسواق المالية.
وقد انتهت منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد)، فى دراسة تحليلية صدرت مؤخرا، إلى أن الصدمة التى تسبب بها فيروس كورونا ستؤدى إلى ركود فى بعض الدول والى انخفاض النمو السنوى العالمى هذا العام إلى أقل من 2.5%. وفى أسوأ السيناريوهات قد نشهد عجزا فى الدخل العالمى بقيمة 2 تريليون دولار، منها 220 مليار دولار فى الدول النامية (باستثناء الصين)، أى أننا ربما نكون على اعتاب ركود كبير فى الاقتصاد العالمي. وفى هذا السيناريو، فإن أكثر الدول تضررا ستكون الدول المصدرة للنفط وللمواد الأولية، والتى من المتوقع أن تخسر أكثر من 1% من نموها، إضافة إلى الدول التى تربطها علاقات اقتصادية قوية مع الدول الأكثر تأثرا بالصدمة الاقتصادية. ووفقا لمنظمة الأونكتاد فإن الدول التى تعانى أعلى خسائر فى التصدير بسبب تداعيات فيروس كورونا هى الاتحاد الأوروبي، حيث تبلغ الخسائر حوالى 15.6 مليار دولار، والولايات المتحدة (5.8 مليار دولار) واليابان (5.2 مليار دولار) وكوريا الجنوبية (3.8 مليار دولار) وتايوان (2.7 مليار دولار) وفيتنام (2.3 مليار دولار).
هذا الوضع يمكن ان يؤدى إلى إفلاس واسع النطاق. وأول المتضررين سيكون قطاع الطيران المدنى الذى يعانى منذ فترة الهشاشة، زاد من حدتها فيروس كورونا، بعدما علق العديد من الدول حركة الطيران كإجراء احترازي، مما دفع الاتحاد الدولى للنقل الجوى اياتا إلى تقدير خسائر القطاع بين 63 مليار دولار و113 مليار دولار خلال 2020. يعنى ذلك ان عددا من شركات الطيران الهشة باتت مهددة بالاختفاء، ومن المحتمل أن تختفى الشركات الإقليمية ذات الأساطيل المحدودة. بينما ستتعرض بعض الشركات ذات تكاليف تشغيلية كبيرة للإفلاس، بينما ستحتاج غيرها إلى دعم حكوماتها من أجل البقاء. وهذا الوضع يذكر بالانخفاض الهائل فى الحركة الجوية خلال الأشهر الستة التى تلت هجمات 11 سبتمبر، بما تسبب، آنذاك، فى هزة عنيفة لثمانى شركات طيران رئيسية. ويذكر أيضا بما تمخض عن الأزمة الاقتصادية 2008 من خسائر كلفت هذا القطاع أكثر من 100 مليار دولار، وتسببت فى اختفاء 14 شركة أوروبية فى عام واحد. بالإضافة إلى قطاع الطيران، فإن قطاع السياحة الذى يمثل نحو 10% من الناتج الإجمالى العالمي، يعتبر هو الآخر من أهم القطاعات المتضررة، حيث أوضح المجلس العالمى للسفر والسياحة أن إلغاء مئات الرحلات الجوية والبرامج السياحية أسفر عن خسائر تقدر بـ22 مليار دولار.
الخلاصة أنه ما من شك فى أن فيروس كورونا بات يشكل أزمة عالمية سوف تكون لها تداعيات اجتماعية وصحية كبيرة، كما سيهدد الاقتصاد العالمى بركود خطير هو الأول منذ الأزمة المالية التى وقعت عام 2008. بناء عليه، فإن الأمر يتطلب تضامنا دوليا، ربما لم يشهد له التاريخ مثيلا من قبل، لتحسين أطر التعاون والعمل المنسق للحد من تفشى الفيروس، من ناحية. ولتخفيف آثاره، بالإضافة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمى والاقتصاد الوطنى فى الدول المختلفة، من ناحية ثانية.
لمزيد من مقالات وفاء صندى رابط دائم: