رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كورونا والإنفاق على الصحة

رغم التداعيات العديدة لانتشار فيروس كورونا، خاصة على الصعيد الاقتصادي، بعد تعليق الرحلات الجوية وإغلاق الحدود، وقيام الحكومات والبنوك المركزية بحزم تحفيزية وخفض الفائدة لمنع الركود الاقتصادي، فإن اهم هذه التداعيات هو الأثر على الصحة وسلامة الافراد، خاصة فى ظل ضعف النظم الصحية ومحدودية قدرتها على الاستجابة واحتواء الازمة، فى ظل السرعة الرهيبة التى يتزايد بها انتشار الفيروس، وفى ظل سيادة مناخ من عدم اليقين وزيادة السلوك التحوطى بصورة كبيرة حاليا. من هنا تأتى أهمية زيادة الإنفاق العام على الصحة وتوجيهة بدقة وعناية الى المجالات الأكثر إلحاحا فى هذا المجال، وتقديم الخدمات الأساسية لحشد جهود الأطباء والمستشفيات والعيادات الطبية للعمل فى الأماكن المتناثرة من البلاد، بما يساعد على الوقاية من الفيروس والسيطرة عليه ويضمن حماية الأفراد والمؤسسات, وهو ما يتطلب التركيز على حماية الأشد تضررا. ومن حسن الطالع ان هذه الأزمة تتزامن مع تقديم الحكومة مشروع الموازنة العامة الجديدة، وكذلك التحسن الملحوظ فى الأوضاع المالية للدولة، الأمر الذى مكنها من تحقيق فائض اولي، يمكن ان يساعد فى توفير قدر لا بأس به من الأموال لهذا المجال، فإذا ما أضفنا إليها الحيز المالى الممكن يتضح لنا أن إمكانية الحركة معقولة. فمن المعروف ان الحالة الصحية تعد أحد اهم دعامات التنمية، خاصة ان ضعف الحالة الصحية للأفراد يؤثر تأثيرا مباشرا على المجتمع بأكمله من حيث القدرات الإنتاجية وإمكانات التطور. وبالتالى فان تطوير الانفاق على قطاع الصحة يسهم مباشرة فى تحسين نوعية الحياة ويؤدى الى جودة النمو. إذ يسهم فى إيصال الخدمات الصحية الى جميع أرجاء البلاد، خاصة تلك التى يعود النفع منها على القطاعات العريضة من السكان مثل التطعيمات ضد الامراض ومعالجة انتشار الاوبئة والامراض المستوطنة وغيرها. كما انه يسهم فى تعزيز قدرة الاسرة على تحمل تكاليف العلاج، ويرفع العبء عن كاهل المرضى من الفقراء وغير القادرين. وتعتبر العناية بالأوضاع الصحية إحدى المهام الأساسية للحكومات، خاصة أن الأمراض تؤثر على جميع طبقات المجتمع. وبمعنى اخر فإذا كان المرض، وهو كذلك بالتأكيد، يمثل عبئا ينوء به الفقراء، فإن الكوارث الصحية يمكن أن تؤدى إلى نتائج وخيمة على غير الفقراء ايضا، من خلال خسارة الدخول المحتملة او التكاليف الباهظة التى يتحملونها من جيوبهم الخاصة للحصول على الرعاية الصحية. وبالتالى فإذا كان المرض يؤدى الى المزيد من الإفقار للفقراء، فانه يؤدى أيضا الى انتقال شرائح من المجتمع من حالة اليسر الى حالة الفقر.

ورغم بعض المؤشرات الإيجابية عن تحسن الصحة العامة فى البلاد، فإن المحصلة النهائية للأوضاع الصحية مازالت ضعيفة للغاية ومازال قطاع لابأس به من السكان ــ خاصة الفقراء ــ لا يشعر بهذا التحسن. ويتمثل التحدى الذى يواجه الإنفاق العام على الصحة فى ضمان مستوى للإنفاق يتسق مع الاستقرار الكلى ويحقق هدفين أساسيين، هما تسهيل الحصول على الحزمة الاساسية من الخدمات الصحية، وفقا للمقدرة المالية للمواطنين، وتوفير الحماية الصحية للفقراء من جانب ونشر الخدمات الصحية فى جميع أرجاء البلاد خاصة فى المناطق الفقيرة والنائية.

من هنا تناقش فكرة تحديد الحجم الأمثل للإنفاق العام على الصحة الذى يحقق الأهداف المنوطة به. وهو ما يتوقف على طبيعة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة. الأمر الذى يتيح للمجتمع تحديد كيفية إنفاق الموارد المحدودة بأكبر قدر من الكفاءة والفاعلية فى المجالات التى تحتاج إلى التدخل العام.إذ إن مشكلات الإنفاق لا تنشأ فقط نتيجة لعدم ملاءمة مستوى الإنفاق وهيكله ولكن أيضا نتيجة للمشكلات الإدارية فى السيطرة على الإنفاق.من هذا المنطلق تناقش فكرة تحسين كفاءة وفعالية الإنفاق العام على المجالات الصحية، وعلى الجانب الآخر فان توزيع الانفاق العام على الصحة يوضح ان الاجور تستحوذ على الجانب الأكبر من هذه المصروفات، حيث تصل نسبة الاجور الى إجمالى المصروفات على الصحة الى 47% ونظرا لان الغالبية العظمى من العاملين بهذا القطاع تقع ضمن الشرائح الدنيا من الرواتب فقد كان من الطبيعى ان ينعكس ذلك بالسلب على أداء الأعمال المطلوبة منهم، خاصة أنها فى مستواها الحالى أدت إلى هبوط مستويات الأداء الحكومى فى قطاع الصحة، كما ترتب عليها العديد من المشكلات مثل كثرة التغيب عن العمل( خاصة فى العيادات الصحية بالمناطق الريفية والنائية) بسبب الجمع بين عملين فى وقت واحد كالعمل فى الوحدة الصحية وفى العيادات الخاصة، وهو ما ترتب عليه ظهور العديد من المشكلات الاجتماعية الأخرى وصعوبة مواجهة الحالات الطارئة فى غالبية الوحدات الصحية الريفية. وعلى الجانب الآخر فان ما يخصص لشراء المواد الخام وشراء الأدوية وأغذية المرضى والأمصال والطعوم، زهيد للغاية، وهو ما ترتب عليه عدم توافر العديد من الأدوية او الأمصال الضرورية فى الوحدات الصحية والمستشفيات العامة. ناهيك عن النقص الدائم فى أساسيات العمل مثل السرنجات والأدوية وأجهزة قياس الضغط والحرارة وغيرها.ومما يزيد من صعوبة هذا الموقف المغالاة فى سعر شراء الخامة، بل وتبديل الخامة المسعر عليها الدواء بخامة اقل فى الجودة والسعر. فضلا عما سبق ورغم وجود العديد من المشروعات الاستثمارية المهمة فى هذا المجال سواء مستشفيات عامة او مركزية او قروية بالإضافة الى المشروعات الخدمية المكملة مثل المعاهد الفنية ومدارس التمريض والحجر الصحي، فإن النقص فى هذه الاعتمادات ادى الى تردد المقاولين والشركات عن الدخول فى مناقصات وزارة الصحة او زيادة الأسعار زيادة كبيرة تضمن له تعويض التأخر فى السداد من جانب الحكومة. فاذا ما أضفنا إلى ما سبق ضعف الاعتمادات السنوية التى تخصص لبعض القطاعات الحيوية مثل الطوارئ والإسعاف ونقل الدم لاتضح لنا مدى خطورة الوضع الحالي. إن الأرقام الحالية للإنفاق على الصحة توضح بما لا يدع مجالا للشك انها ضعيفة للغاية ولا تتناسب مع الاحتياجات الصحية للمجتمع بصفة عامة ولمواجهة أخطار الكورونا الحالية على وجه الخصوص وتتطلب المزيد.


لمزيد من مقالات عبدالفتاح الجبالى

رابط دائم: