رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مصير السيِّد في القريَّة الصغيرة!

هُوَ السيِّدْ الذي بطِينَة الأرض منذ المَنبت ارتبط، والذي إليها بتكليف الإعمار هبط، والذي كُتِبتْ له فيها المسرة وأُلقيَ عليه السلام، هُوَ آدم الأصل وزوجُهُ حواء وما عنهما تفرع، من مُخْتَلَف الأجناس ألوانًا وملامح، وعلي مُختَلِف المشارب اعتقادًا ورأَياَ، ولا يزالون مختلفين ولذلك كان الخَلّق، حيث يغدو الاختلافْ مثيرًا للتدافع إعمارًا، وللتنافس تشيدًا وتَسَيُدًا، «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَي الْعَالَمِينَ».

إنهُ الدَفعُ نحو سيادةْ حاكِمها وعيُ المُتَسيِّد بمسئولية السيادة علي هذا الكوكب, الأرضْ، وضابطه ضميرٌ يعي أمانة المسئولية، ويترجمها صيانة لمِنَنْ الخلاق في بيئة التسيُّد، بما يُحيل إفسادها لجريمة قديمة التِكْرار نموذجًا، كارثية العواقب مآلًا، وفي هذا يقول القرآن الكريم «فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ»، ومنْ ثمَ تسطر الآية التالية دستور الإعمار «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَي بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ»، ليكون فِعلُ الإنسان السيد هو الحاكم لرد فِعلٍ الأرض التي تسيدها، فإن أحسنْ إعمارها وصان أمانتها باركتْ تسيدَهُ، وإن كانت الأخري إفسادًا وتفريطًا، كان غضَبُ القرية مُهْلِكًا. إن هكذا قراءة لمهددات الوجود والمصير في ضوء استشهاداتٍ قرآنية، لا تتناقض علي الإطلاق مع أيَّة تعاليم دينية أو لا دينية حتي، فالجميع يحيا ذات المُهِددات لوجود الإنسان السيد، في عالمٍ أقرت إدارته بأنه بات قريةً صغيرة، وبالتالي بات الكُلْ أمام مرآة التهديد سواء، في مواجهة أسئلة المصير البيئية التي كانتْ تقع في خانة الرفاهية، والتي أسقطها من حساباتِ تطوِره العالمْ الأوَّل، وأسقطها الاحتياج من حسابات العالم الثالث، ولم يعد هُناك مجالٌ من الهرب، فأينما توجه السيد في قريته يتربص به غضب الطبيعة بسوء ما قدمتْ يداه.

وبينما السيدُ مهموم بمواجهاتٍ مفتوحةً مع طبيعة قررت أن تثأر منه لنفسها، تُصِرُ أدوات العبث بالوعي علي ألا تحيا اللحظة، مواصلةً تسويق بضاعاتِ استهلاكية مُخَدِرةٍ لكل وعي، ليتحوَّل مُصاب أبناء السيد في مواجهة غضب طبيعة يحتد، إلي تقارير وتصريحاتٍ يُعايِر بها العليل شقيقه الذي سبقه إلي ذات العِلَل والمصائب!. وهَكذا تُطوِّر الطبيعة أساليب الإعلان عن غضبها، بينما يتوقف أبناء السيد في حقول قريتهم الصغيرة، عند أدواتٍ تقليدية تستثمر الأخطار ولا تواجهها، وتتاجر بالأوجاع والآلام ولا تداويها، وجميعها أدواتُ مرحلةِ تدافعٍ خلتْ، وألقت بكل أبناء السيد إلي مساحاتِ مُهَددات وجودٍ غير مسبوقة في واقع القرية الصغيرة، والتي لا تُهْلِكُ دُورُهَا قَاطِنيها إلا بشيوع خطايا الإفسادفيها.

خلال 72 ساعة عايش كُلُ أبناء المحروسة صنفين من صنوف تهديد الوجود، أحدهما انقضي وهو عاصفة التنين، والتي مَثَّلت إعلانًا صريحًا عن غضب البيئة تغيرًا مِناخيًا، قادرًا علي أن يجتث الزرع والحرث والنسل، وتهديدٌ آخر مستمر يستوي في مُعايشته كلُ بني آدم علي ظهر الكوكب، وكلاهما يفرضان استنفار الإنسان كونه صاحب السيادة الأصيل في كوكبنا، والواقع أنه لا استنفار بغير استغفارٍ واعتذار، وكلاهما لا يكون إلا باعتراف وإقرار من الإنسانِ أيًا ما كان موقعه بأنه قد أخطأ في حق الوجود، إنه الاعتراف في قُدس أقداس الخطر، اعترافٌ يُخلِف إرادة المواجهة، ويمنح أسباب الإبداع الإنساني الضامن لاسترداد فطرة الطبيعة التي حاربناها حين تخلينا عن صيانتها وتنافسنا علي الاستحواذ علي سيادتها واستلاب خيراتها.

قدر مصريٌ خالص كونه وطنٌ قديم الإنسان والحضارة، إنها الأصل الذي رعي وعيه إعمار الأرض ممتلكًا أسراره دونما تعدٍ علي فطرة الحياة، وهو القدر الذي يُحملُ مصر وأهلها في قرية كوكبنا الصغيرة مسئولية النموذج، ورغم ما قد يُؤَوَّل علي أنه تعصبٌ لانتماء مِدادِ الكاتب، إلا أنه لا يُمثِّل إلا محاولةً للبحث عن أسباب القوة الإنسانية في مواجهة أزمة المصير العالمية، وهو البحث الذي يقود إلي وجوب استنهاض الإنسان السيد، ليغدو بإيمانه الفطري وتراث تجاربه وأصيل جذوره النموذج، إبداعًا في التكامل المؤسسي يتساوي معه إبداع التكافل المجتمعي، والتكاتف الإنساني، بما يؤهل لاستنفار كامل الطاقات الكامنة في الأصل المصري، ولاستثمار إيجابي للأزمة يرسم خطط التحصين والمواجهة، ويوسع دوائرها لتشمل كلَ النقاط الحرجة في واقعنا مزمن الأزمات. يتجاوز التهديد الحالي كل خبرات المهددات الإنسانية الموروثة، ويوجه سلاحه مباشرة صوب مصير السيد في قريته الصغيرة التي كانت تسمي «عالم»، ولهذا فالمسئولية تتعدي كل أطر الإدارة في أي نظام، ويُصبح كل فِعلٍ للمواجهة قاصرًا حتي تُقرر خِططه أن يكون الإنسان هو بطل المعركة.


لمزيد من مقالات عبدالجليل الشرنوبى

رابط دائم: