الخوف هو إحدى النغمات الحائرة فى حياة الانسان، حيث اختلف البشر طوال تاريخهم على الارض حول طبيعته. جزء منهم رأى الخوف لعنة، وطبعا سيئا لابد للانسان ان يتخلص منه والا جعل حياته جحيما. فالخوف يجعل الانسان يموت الف مرة فى كل لحظة، قبل ان يصيبه مكروه من الشيء الذى يخاف منه. والآخرون رأوا الخوف من اهم النعم التى خلقها الله للانسان لتنبهه من الاخطار المحيقة به وتدفعه للحيطة منها والاستعداد لها. المؤكد ان الخوف هو فى الاساس شعور مزعج، لكنه استطاع حماية الانسان من الكثير من المهالك. ولهذا جاء المثل الشعبى الشهير: من خاف سلم. والمثل الآخر: الجرى نص الجدعنة. الخوف موجود كذلك عند الحيوانات أيضا، لكن لان الله ميز الانسان بنعمة العقل، فجاء خوف الانسان دافعا للابداع فى الكثير من الاحيان لتطوير آليات للحماية. فقد عاش الانسان تراثا طويلا من انواع مختلفة من الخوف شعر به اسلافه.فتعلمنا نحن الاحفاد الحذر مما خافوا منه. تاريخ الفن يقر بأن اول الرسومات التى رسمها الانسان البدائى هى رسومات للحيوانات المفترسة وكيفية القضاء عليها. وجد اهل بداية الدنيا كل شيء حولهم غريبا، ووجب عليهم اكتشافه ومعرفة كنهه، وهو ما استوجب منهم تجربة الاشياء بأنفسهم لكى يقهروا خوفهم منها. هذا حيوان اليف وذاك مفترس، تلك حشرة سامة واخرى اليفة، وذاك طقس يصيب بالمرض وآخر صحو..حتى الماء منه الملوث ومنه الرائق الذى يشرب، وكذلك الجبال منها القاحل ومنها القابل للسكنى. وهناك الحجارة منها الحادة ومنها ما نبنى به بيوتنا. وبدأ الانسان البدائى يمرض، فأخذ يبحث عن العلاج فى النبات والطعام. ثم اكتشف النار، فدخل العالم الواسع لامكاناتها الضخمة. فهى تساعده على الطهو واضاءة الاماكن المظلمة وصهر المعادن الصلبة ليطوعها ويجعلها سلاحا يدافع بها عن نفسه امام اعدائه وامام الحيوانات المفترسة. ويوما بعد الآخر اكتشف ان قدرتها مهولة، فقام بعبادتها. ثم تركها عندما شعر بأن الشمس ربما اولى بالعبادة..ثم ازداد خوفه من النار عندما وجدها تحرق ولا يروضها، حتى هداه الله ليشعر ان جزاء اعماله السيئة هو الحرق فى النار. وجاءت الاديان السماوية فاكدت له ذلك. فقد ذكر الخوف فى آيات كثيرة فى الكتاب المقدس. منها على لسان الله فى مرقس 4.40: ما يلوم به الناس انهم يتحلون بالخوف، فلو كانوا مؤمنين لما خافوا. وفى الامثال 33:1 قوله «أما المستمع لى، فسيسكن آمنا، ويستريح من خوف الشر». اما فى القرآن الكريم، فهناك آيات شهيرة عن الخوف: «فمن تبع هداى فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون» 38 البقرة.و «انما ذلكم الشيطان يخوف اولياءه فلا تخافوهم»: 175 آل عمران. وغيرها من الآيات. والمعانى واضحة بالطبع. فالله يعد المؤمنين به بعدم الخوف اذا سلموا له. لذا استقر فى ذهن الملايين منذ قرون، انه كلما زاد الايمان قل الخوف. وهو ما تعارض مع طبيعة بعض البشر خاصة امام الاحداث الجسام. لم يفهم البشر ان الآيات معناها مجازى ورمزى مثل الكثير من الآيات يالكتب السماوية، فدخلوا فى صراع نفسى بين عدم قبولهم بأن يخافوا لشدة ايمانهم بالله، وشعورهم الفعلى بالخوف لانهم بشر. وتسجل الاعمال الادبية والاساطير ألافا بل ملايين من قصص البشر مع الخوف. يعتصر كبدى، يجعلنى اسقط من شاهق، يسرق منى روحى، يميتنى ويحيينى،.يزلزلنى، يشقنى، يعطبنى، يمرضنى، يطهرنى، يقوينى، يسلبنى انسانيتي: تلك بعض مما يقوله البشر عندما يخافون. الخوف كابوس احيانا عندما تتركه يتحكم بك. واحيانا يتضاعف ويكبر ويلف حول رقبتك كالاخطبوط؛ فيصبح خوفا مرضيا. الافضل ان تترك هامشا بسيطا بروحك يخاف ويتفاعل، لكن فى عمقك تجعل التسليم هو سبيلك وحلك امام مشاكل الدنيا البسيطة ومعضلات الوجود الكبرى.
والخوف معد. فليس من حق اى احد ان يروج لخوفه ويجعل الآخرين ينساقون وراء مبالغته، لذا فالخوف هو السلعة التى لا يحق لاحد ترويجها.
والخوف كذلك سلاح تلعب به اى قوى لمصلحتها بشكل سيئ وشرير. فقد يريدون السيطرة على فئة ما فيروعونها، او الحد من قوة اناس بعينهم فيشيعون الخوف بينهم. إنه اقدم الوسائل التى استخدمها الشيطان واقواها استمرارا: الوسوسة. ان يوغروا صدرك فيجعلونك تخاف من هذا الذى لن يؤذيك فى اى شيء. مسكين الانسان: يملأ قصصه بصور الشجاعة المبالغ فيها. الابطال الشعبيون يتجاوزون كل الاهوال. والسوبر هيرو خارق للطبيعة يحقق المستحيل فى الافلام، والملايين تهرع للمشاهدة فاغرة فاهها تمتلئ بالحمام وتخرج وهى تطير من الزهو والفرح. وفى لحظة ما يأتى للكون فيروس مثل كورونا لا يرى بالعين المجردة، المليون منه يقف على رأس دبوس، يجعل كل العالم يبدأ موجة هلع غير مسبوقة لا يعرف احد مداها إلا الله.فيتجاوز الخوف كل منطق لانه مكون رئيسى من مكونات النفس البشرية.
لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف دره رابط دائم: