رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

القائمة المشتركة.. صفحة مشرقة فى تاريخ النضال الفلسطينى

يعتبر نجاح القائمة العربية المشتركة فى الحصول على 15 مقعدا فى انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين، من أبرز النتائج التى أسفرت عنها هذه الانتخابات، وهذا النجاح هو بمثابة زلزال سياسى كما قالت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية، تتشكل هذه القائمة من أربعة أحزاب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتجمع الوطنى الديمقراطى والحركة العربية للتغيير والقائمة العربية الموحدة، وهذا النجاح يجعل من القائمة المشتركة التى تعبر عن مطالب المواطنين الفلسطينيين العرب داخل إسرائيل والمجتمع العربى الفلسطينى فى إسرائيل بمثابة رقم صعب فى المعادلة السياسية الإسرائيلية الداخلية لا يمكن تجاوزها أو تهميشها كما ترغب فى ذلك التيارات السياسية الرئيسية فى إسرائيل والتى تؤمن جميعها بالأغلبية اليهودية فى تشكيل الحكومة الإسرائيلية.

ووفقا لمصادر إسرائيلية أوردت أرقاما لم تتأكد بعد فإنه من بين المقاعد الخمسة عشر التى حصلت عليها هذه القائمة، مقعدان بأصوات يهودية من قائمة حزب العمل وجيشر وميرتس، وهى تلك الأصوات التى سئمت تردد العمل واليسار وانهيار الحدود الإيديولوجية بينه وبين اليمين القومى والدينى وتبنيه لشعارات اليمين وقصوره عن بلورة برنامج متميز عن برامج الأحزاب اليمينية، كما حصلت القائمة على 87% من الأصوات من البلدات والمدن العربية و10% من الأصوات من البلدات المختلطة التى يعيش فيها اليهود والعرب وما يقرب من 3% من بعض المدن الإسرائيلية.

حصلت القائمة المشتركة على 580.044 ألف صوت، بزيادة 110آلاف صوت عن انتخابات سبتمبر 2019 والتى كان عدد أصوات القائمة فيها يبلغ 470 ألف صوت، وبزيادة قدرها 243 ألف صوت عن الانتخابات التى جرت فى أبريل عام 2019، وزاد تمثيل الأحزاب العربية من10 مقاعد فى انتخابات أبريل والتى لم تكن القائمة قد تشكلت بعد، إلى 13 مقعدا فى انتخابات سبتمبر عام 2019 بعد تشكيل القائمة.

وبصرف النظر عن هذه الأرقام، فإن ما يهم فى المقام الأول هو الدلالة السياسية لها، حيث تفصح هذه الأرقام عن حدوث ظاهرة تصويت المواطنين العرب الفلسطينيين للأحزاب العربية بدلا من التصويت للأحزاب الصهيونية وهى ظاهرة تبدو معاكسة لما سبقها، بالإضافة إلى اتجاه جزء ولو صغيرا من ناخبى اليسار للتصويت للأحزاب المشكلة للقائمة.

من ناحية أخرى فإن الإنجاز التاريخى البرلمانى للأحزاب العربية فى إسرائيل يتجاوز الهدف الصهيونى منذ نشأة الدولة والذى كان يتمثل فى عزل المواطنين العرب فى إسرائيل عن الشعب الفلسطينى من خلال المواطنة والتصويت، لأن هذا الإنجاز يحقق بفضل إدراك العرب الفلسطينيين ذوى المواطنة الإسرائيلية لحقيقة وطبيعة المخاطر التى تترتب على خطة ترامب للسلام وإعلان جانبها السياسى فى حضور نيتانياهو وجانتس وموافقتهم عليها، خاصة ذلك البند الذى يتعلق بتبادل أراضى المثلث واعتبارها جزءا من أراضى الدولة الفلسطينية المفترضة والمجزأة فى هذه الخطة، وهى رسالة واضحة لمقدمى وواضعى خطة ترامب التى افترضت أن الفلسطينيين مجرد ضيوف فى أراضى إسرائيل، مضمون هذه الرسالة أن الشعب الفلسطينى باق فى أرضه ووطنه ويعتقد أن فى هذه الأرض ما يستحق الحياة من أجله رغم الحالة النفسية والمعنوية والأحكام العرفية التى عانوا منها فى بدء نشأة الدولة الإسرائيلية، والتى صمدوا فى مواجهتها وتمكنوا من جمع قواهم وبناء وحدتهم فى مواجهة المشروع الصهيونى والقوانين التمييزية والعنصرية.

حقق المواطنون الفلسطينيون هذا الإنجاز فى ظل حملات التحريض والكراهية والتمييز من قبل اليمين القومى والدينى بل ومن حملة رئيس وزراء تسيير الأعمال بنيامين نيتانياهو الذى دأب فى خطابه على استخدام تعبيرات عنصرية تتعلق بالطابور الخامس واعتبار هؤلاء المواطنين إرهابيين ويخضعون لحركة حماس، وأن من يصوت لخصمه جانتس فهو يصوت لأعداء إسرائيل من العرب ورموزهم السياسية فى إسرائيل لأن جانتس قد يتحالف مع نواب القائمة المشتركة لتشكيل الحكومة وهو ما ينفيه حتى الآن. وكان صاحب شعار بيبى أو الطيبى فى إحدى المعارك الانتخابية فى إشارة إلى النائب العربى الفلسطينى أحمد الطيبى، بالإضافة إلى الحملة الانتخابية عموما فى انتخابات الكنيست الثالثة والعشرين والتى كانت قذرة على حد تعبير رئيس الدولة الإسرائيلية لدى خروجه من مركز الاقتراع.

فى رحلة المواطنين العرب الفلسطينيين فى أراضى 1948 منذ النكبة وحتى الآن، تجاوزت الأقلية العربية الفلسطينية التى تمثل 20% من سكان إسرائيل كافة الهواجس التى كانت تحول دون تمثيلهم فى مؤسسات الدولة الإسرائيلية مثل المقاطعة والعزلة والأسرلة والإحجام عن التصويت أو التصويت لأحزاب صهيونية من أجل أهداف محلية وخدمية وما دون ذلك تمكنت هذه الأقلية القوية والصامدة من كسر هذه التابوهات والمحاذير، ودخلت فى الممارسة السياسية الميدانية لتحقيق مطالب المواطنين الفلسطينيين فى التعليم والصحة ومناهضة العنف والجريمة فى الوسط العربى وتأكيد الانتماء والهوية الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطينى فى الداخل والخارج وأنهم جزء لا يتجزأ من الحالة الفلسطينية.

يبقى أن ندرك أن كفاح الفلسطينيين وصمودهم فى الداخل لا يتعلق فحسب بالتمثيل البرلمانى والسياسى فى الكنيست أو غيره من المؤسسات، فذلك لا يمثل سوى أداة أو وسيلة لتحقيق مشروع سياسى وبرنامج سياسى أكبر من مجرد التمثيل، مشروع سياسى مناهض للصهيونية باعتبارها أيديولوجية تمييزية وتمارس العنصرية والتمييز بين المواطنين، والمشروع الفلسطينى مشروع للمساواة والمواطنة المتساوية للجميع بصرف النظر عن العقيدة أو الجنس أو الثقافة، دولة لكافة مواطنيها ذوى حقوق وواجبات متساوية فى الواقع وأمام القانون.

لقد نجحت القائمة المشتركة فى الحؤول دون فوز نيتانياهو بأغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة الإسرائيلية، بل أبدت استعدادها لتأييد مشروع قانون يحظر تولى الحكومة شخص متهم بالفساد وذلك عند بدء انعقاد الكنيست فى السادس عشر من مارس الحالى.

لن يقتصر تأثير نجاح القائمة على الصعيد البرلمانى والقانونى بل سيمتد للواقع الإسرائيلى ذاته، وربما يستغرق هذا التأثير بعض الوقت لكنه قادم لا محالة بفضل وضوح الرؤية السياسية والتلازم بين المكون المحلى والمجتمعى فى هذه الرؤية وبين المكون المتعلق بالقضية الفلسطينية ومنحها الزخم الضرورى والحصانة اللازمة لإبقائها حية وتموج بالحياة.

لقد أثبت نجاح القائمة المشتركة فى هذه الانتخابات بهذا العدد من المقاعد فاعلية النضال السلمى والمدنى والقانونى فى مواجهة العنصرية والتمييز والتحريض، وقدرة هذا النمط من أشكال المقاومة على بناء مرتكزات وقواعد للانطلاق نحو المساواة ودولة كل المواطنين.


لمزيد من مقالات د. عبدالعليم محمد

رابط دائم: