وصف أردوغان تهجيره لميليشيات إدلب من سوريا إلى طرابلس ليبيا بأنها هجرة المهاجرين إلى الأنصار، فى أحدث افتكاساته وإسقاطاته غير المناسبة وفى غير موضعها فإدلب ليست مكة المكرمة وطرابلس -ليست المدينة المنورة مقصد الهجرة، ربما الإسقاط نتيجة ولع اردوغان بلقب أمير المؤمنين الذى شاع بين مريديه ومؤخراً بين الدواعش الجدد وبعض المعارضين السوريين حيث تلتقى المصالح، ليبرز السؤال كيف؟ لتكون الإجابة أن جبهة النصرة تخلى عنها الأمريكان بإنهاء التحالف بعد إعلانهم هزيمة داعش وتركوها وآخرين تحت تصرف أردوغان، بالوكالة مدفوعة الأجر، أما داعش فلم تر من اردوغان إلا خيرا فهو من اشترى منهم بترول شمال العراق المسروق ودفع لقيادتهم فى الموصل وهو من افرج عنهم من سجون اكراد سوريا، ونقلهم لتركيا، عند غزوه للشمال السورى بدعوى إقامة نطاق آمن يفصل أكراد سوريا عن أكراد تركيا حتى لاتنتقل إليه عدوى الفيدرالية التى قد تكون من نتائج حل الأزمة السورية كما أنه يصنف حزب العمال الكردستانى التركى كمنظمة إرهابية. إذن فهذه الميليشيات ليس لديها مانع من أن تعمل تحت إمرة من يوفر لها الإيواء والتمويل والتدريس والهجرات إذا لزم الأمر فى مقابل أن يدفع بها للقتال هنا وهناك، خاصة أن حلم داعش مازال قائما بإنشاء الدولة الإسلامية ليس فى العراق والشام كما كانت البداية، ولكن مع اى ولايات بعد المبيعات التى تمت لاحقا وهو ما قد يتوافق معها احلام أردوغان فى اعادة استنساخ الدولة العثمانية الجديدة خاصة فى المناطق التى أجبرت سابقاً على التخلى عنها وعدم المطالبة بها كما نصت اتفاقية لوزان بعد هزيمة الدولة العثمانية لترثها تركيا العلمانية عام 1923 وأهمها ليبيا وقبرص. فأما قبرص فقد احتلت تركيا نصفها الشمالى عام 1974 لإنشاء قبرص التركية بدعوى ان اهلها يتكلمون اللغة التركية! ولو اتبع العالم تلك القاعدة التركية لاحتل نصف العالم نصفه الآخر. وكان ذلك احد اهم أسباب رفض انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبى كدولة مستعمرة فى زمن الحريات والديمقراطية، وأما ليبيا فلا تنسى تركيا أن امبراطوريتهم العثمانية قد طردت وجيشها من الشمال الليبي، طرابلس وبرقه/ بنى غازى الآن، حيث كانت فزان/ سبها الجنوب تحت الاحتلال الفرنسي، شر طردة بعد الهزيمة من إيطاليا عام 1912 وابقى الإيطاليون فقط بعض رجال الشريعة الإسلامية لمصلحة المحاكم الشرعية، ولم يكن هناك جيش ليبى يذكر فقد اعتمد العثمانيون على جيشهم فقط لضمان إخضاع ليبيا وحتى لا تكون هناك مقاومة عسكرية ضدهم، وهو ما سهل على الإيطاليين بقيادة الجنرال جرازيانى السيطرة العسكرية على ليبيا فى البداية الى أن تشكلت المقاومة الشعبية فى ملاحم وطنية لعل أشهرها بقيادة الثائر البطل عمر المختار، الى أن انسحبت ايطاليا بهزيمتها ضمن قوات المحور فى الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945 ليتولى الحكم إدريس السنوسى فى منتصف القرن الماضى الذى اطيح به فى سبتمبر 1969 بقيادة القذافى الذى قتل عام 2011 ليترك ليبيا فى مهب الريح والانقسام والحرب الأهلية. اتخذ اردوغان من ذلك ذريعة للعودة الى إحياء أهم معاقل الدولة العثمانية مع استغلال ثروات ليبيا النفطية عالية الجودة التى تبلع 1.3 مليون برميل يوميا ضمن أهم الدول المنتجة بمنظمة أوبك، ولذلك كانت ليبيا والسيطرة على مواردها النفطية هدف تركيا الفقيرة فى موارد الطاقة، حيث تستورد قرابة 95% من احتياجاتها من الخارج، لذلك كان الغطاء بين المأزومين فى شكل مذكرتين امنية وبحرية، مع حكومة طرابلس الآيلة للسقوط وتريد العون العسكرى بأى ثمن للبقاء، حتى ولو كان على حساب سيادة وثروات ليبيا، وأن يحميها ميليشيات مرتزقة يتولى نقلها اردوغان من سوريا عبر تركيا الى طرابلس بطائرات مدنية لتفادى اعتراضها عسكريا. وقامت شركات تركية وليبية حكومية وقطاعا خاصا باستغلال شركة الأجنحة الليبية التى يملكها ممثل القاعدة فى ليبيا عبد الحكيم بلحاج، مما يعكس حجم ثروات زعماء الإرهاب، حيث بدأ وصول الميليشيات بالفعل رغم الإنكار فى البداية والذى انكشف بعد ذلك، فى رؤية ركاب الطائرات ليس بينها سيدات او اطفال أو كبار السن بل شباب فقط يرتدى ملابس رياضية او عسكرية مع محاولة معظمهم إخفاء وجوههم من التصوير خشية الملاحقة القضائية فيما بعد. كما لم ينس أردوغان، الذى بدا متجهما وشاحبا خلال مؤتمر برلين، أن تسرب دوائره إمكان إرسال بعض هؤلاء إلى أوروبا القريبة فى هجرات غير مشروعة كنوع من التهديد والابتزاز. وبينما كان المؤتمر يبحث وقف إطلاق النار وتثبيته وتفكيك الميليشيات وعدم تدخل قوات أجنبية، كانت طائرات أردوغان تنقل المزيد من الميليشيات من سوريا عبر تركيا الى طرابلس، أو كما وصفها بهجرة المهاجرين الى الأنصار!.
لمزيد من مقالات لواء د. محمد قشقوش رابط دائم: