رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رؤيتى لـ القرن الحادى والعشرين (321) أنا والفلسفة

قرأت ببالغ الإعزاز والتقدير مقالا لرفيع المقام الدكتور مصطفى الفقى فى الأهرام بتاريخ 18/2/2020 تحت عنوان: «مراد وهبة وأم العلوم»، وهو مقال يأتى فى سياق مقالات أخرى تكشف عن تقدير ليس أعمق منه ومغموس فى تقييم يأتى على غير المألوف، إذ تنطوى عباراته على مديح أخجل من التنويه به. ومع ذلك فثمة سياق آخر يلزم أن يكون موضع تعليق وبدايته عنوان ذلك المقال، الذى يشى بأن ثمة علاقة عضوية بينى وبين أم العلوم التى هى الفلسفة. وقد كانت هذه العلاقة واردة أيضا بمناسبة تكريمى من قِبل الجمعية الفلسفية المصرية فى التاسع من شهر فبراير من هذا العام بمناسبة تجاوزى سن الثالثة والتسعين من عمرى، إذ كان مطلب أعضاء الجمعية أن يأتى حديثى إليهم تحت عنوان: «حياتى فلسفتى وفلسفتى حياتى».

والسؤال إذن: كيف نشأت هذه العلاقة بينى وبين الفلسفة؟

نشأت على غير المألوف، فقد كنت فى المرحلة الثانوية ساخرا من نظام التعليم الذى يستند إلى ثلاثية التلقين والحفظ والتذكر، وهى ثلاثية قاتلة لتكوين الشخصية السوية. وشخصيتى لم تكن مهيأة لأن تكون موضع قتل بحكم تربيتى فى «قسم الصبيان» بجمعية الشبان المسيحية الذى كان يديره مربٍ اسمه يعقوب فام. وقد لا أكون مغاليا إذا لقبته بالمربى الأول على نحو ما نقول عن أرسطو إنه المعلم الأول. كان يستعين بالفكر الليبرالى فى تربية أولئك الصبيان وهو أمر لا يستقيم مع نظام التعليم. وعندما أصبحت على وعى مبكر بهذا التناقض تمردت فعوقبت وتكرر التمرد وتكرر العقاب. وذات مرة صممت على الدفاع عن نفسى رغم اعتراض المشرف المسئول عن مراقبة مسلك الطلاب. ورحت استرسل بلا توقف. وبعد أن انتهيت من الدفاع عن نفسى إذا بذلك المشرف يقول: إنت اتعلمت المنطق ده فين؟ ظننت لحظتها أنه يسأل ساخرا، ولكنه أردف قائلا: بسبب هذا المنطق أنت معفى من أى عقاب. كنت فى حينها فى السنة الرابعة الثانوية . ثم انتقلت بعد ذلك إلى السنة الخامسة الثانوية وكانت تنقسم إلى شعبتين: أدبى وعلمى. ولما كان الإقبال على أدبى ضعيفاً فقد قرر ناظر المدرسة إجبار الطالب على الالتحاق بها إذا جاء مجموع درجاته فى المواد الأدبية أكبر من مجموع درجاته فى المواد العلمية. وكنت أنا من بين الذين أجبرهم ناظر المدرسة على الالتحاق بشعبة أدبى فاعترضت وتمردت، ومن ثم استجاب ولكن مع تحفظ وهو أن أستمع إلى دروس فى شعبة أدبى لمدة أسبوع فإذا راقنى الحال بقيت، وإذا لم يرقنى ألتحق بشعبة علمى، وقد كان إذ استمعت إلى درس فى الفلسفة. وفوجئت بأن مدرس الفلسفة يقول فى نهاية الدرس: يبدو من ملمح هذا الطالب ــ وكان يقصدنى- أنه سيكون فيلسوفاً عظيماَ. ومع ذلك جاءت استجابتى الفورية على هذا النحو: آسف يا أستاذ.. أنا وجودى هنا مؤقت فأنا ذاهب إلى شعبة علمى. وقد تم ذلك بالفعل. وبعد ثلاثة أشهر من التحاقى بشعبة علمى كنت أستمع إلى درس فى الشعر الجاهلى وكان مدرس اللغة العربية مستغرقاً فى شرح بيت لامرئ القيس:

مكر مفر مقبل مدبر معاً

كجلمود صخر حطه السيل من علٍ

دفعتنى هذه التركيبة اللغوية بما تنطوى عليه من تناقضات إلى السخرية. وفوجئت بتجاوب الطلاب مع هذه السخرية إلى الحد الذى توقف عنده المدرس عن مواصلة الشرح. وتصادف مرور ناظر المدرسة بالقرب من الفصل فدخل منفعلاً وقال للمدرس: لماذا هذه الفوضى؟، وكان جواب المدرس: إن السبب هو هذا الطالب. وفى الحال استدعانى الناظر أمامه وسألنى: لماذا تسببت فى هذه الفوضى؟ فقلت: أنا لم أقصد فكل ما فعلته هو أننى حاولت نقد بيت شعر. وعندئذ قال الناظر ساخرا: يعنى أنت بشار بن برد؟ قلت: أبدا فقال: أنت مرفود إلى ما لا نهاية، والمطلوب منك الحضور إلى المدرسة يومياً دون الدخول إلى الفصل فارتأيت أن أمضى الوقت فى قراءة الكتب الفلسفية التى كانت موجودة فى مكتبة المدرسة التوفيقية الثانوية لكى أفهم إيه حكاية المنطق وإيه حكاية فيلسوف عظيم. وكانت النتيجة أننى لم أحصل إلا على 54% فى امتحان التوجيهية. ومن ثم فلم أتمكن من الالتحاق بكلية الطب أو كلية العلوم. وكانت كلية الآداب قد أعلنت شروطا محددة لقبول طلاب شعبة علمى إلا أن هذه الشروط لم تكن متوافرة عندى ومع ذلك وافق عميد الكلية على قبولى لأن أخى كان زعيماً للطلاب الوفديين بالكلية وكان العميد وفدياً., وهكذا التحقت بكلية الآداب واخترت قسم الفلسفة. تفرغت للقراءة بثلاث لغات: العربية والإنجليزية والفرنسية. وتفوقت فى أبحاثى التى كنت أكتبها استجابة لمطلب الأساتذة. وكان أستاذى عبد الرحمن بدوى قد علق فى عشرة سطور على أول بحث كتبته. وجاء فى السطر الأول: صاحب هذا البحث له مستقبل عظيم فى عالم التأليف. إلا أن ما حدث بعد ذلك كان مليئاً بالتحديات التى كادت تطيح بمسارى الفكرى الذى التزمت به دون الالتفات إلى ما قد يترتب على هذا الالتزام من نتائج سيئة، ومنها فصلى من الجامعة بقرار من الرئيس السادات فى عام 1981 بدعوى أننى أخطر أستاذ فى الجامعات المصرية على النظام السياسى. وعندما عدت إلى الجامعة بقرار من الرئيس حسنى مبارك اصطدمت بالطلاب وبالأساتذة إلى الحد الذى قال لى رئيس الجامعة فى عام 1997: أطلب منك أن تتوقف عن التدريس لطلاب المرحلة الجامعية الأولى لأنهم اشتكوا من أنهم لا ينامون بسبب أفكارك المزعجة وهذا أمر يهدد الأمن القومى, فاستجبت بلا تردد.

وإذا أردت مزيدا من التفاصيل فاقرأ مقال الدكتور مصطفى الفقى المشار إليه فى بداية هذا المقال.


لمزيد من مقالات د. مراد وهبة

رابط دائم: