رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

خلفيات الذعر الأمريكى من اتفاق إدلب

الرفض الأمريكى لصدور إعلان من مجلس الأمن الدولى يؤيد اتفاق وقف إطلاق النار الذى كان قد تم التوصل إليه بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ونظيره التركى رجب طيب أردوغان، فى موسكو يوم الخميس الماضى (5/3/2020) بشأن الصراع الدامى المتفجر فى محافظة إدلب السورية وريفها، بقدر ما كان رفضاً غامضاً ومثيراً للتندر والتعجب من جانب معظم، إن لم يكن كل الوفود بالمجلس، ناهيك عن المراقبين والإعلاميين، بقدر ما كشف عن جدية المخاوف الأمريكية من النتائج السلبية التى يمكن أن تترتب على هذا الاتفاق من منظور المصالح الأمريكية فى سوريا. أدركت الولايات المتحدة مبكراً فداحة المأزق المزدوج التركى والأمريكى فى الصراع الدامى الذى كان يجرى فى إدلب خصوصاً بعد التورط التركى المباشر فى هذا الصراع الذى يضع تركيا فى مواجهة مباشرة مع روسيا التى لن تسمح بهزيمة الجيش السوري، بل لن تتراجع عن دعم تقدم هذا الجيش واستعادته مواقع ومساحات مهمة فى ريف إدلب على عكس الرغبة التركية، وهذا ما دفعها إلى محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه سواء بمنع حدوث هزيمة تركية فى إدلب أو بمنع الرئيس التركى من التوجه إلى موسكو كملاذ أخير لإنقاذ ماء الوجه، لأن هذا التوجه التركى نحو موسكو سيفسد كل ما حاولت واشنطن القيام به خلال الأسابيع الماضية لإفساد العلاقة بين موسكو وأنقرة وإحباط المخطط الروسى الخاص بتركيا سواء على صعيد الشراكة العسكرية وفى مقدمتها صفقة صواريخ «اس 400» التى باعتها روسيا لتركيا أو على صعيد الشراكة الاقتصادية متمثلة بالأساس بـ «خط أنابيب السيل التركي» الذى سينقل الغاز الروسى إلى أوروبا عبر الأراضى التركية، أو على صعيد الشراكة السياسية التى يمكن أن تتأسس بين البلدين كنتيجة لنجاحات الشراكتين العسكرية والاقتصادية، ويمكن أن تؤسس لمشروع روسي- تركى بخصوص سوريا على حساب ما تراه واشنطن مصالح أمريكية. فقد بادرت الولايات المتحدة بإظهار دعم سياسى للتدخل العسكرى التركى فى إدلب، بإعلان رفضها للتقدم العسكرى السورى المدعوم من روسيا فى محافظة إدلب، لكنه كان دعماً أمريكياً باهتاً أدركت أنقرة هشاشته مبكراً وبالتالى زادت من قناعتها بعدم المراهنة على الحليف الأمريكي. وقبيل تأكيد أنباء انعقاد القمة الروسية- التركية فى موسكو يوم الخميس الفائت وصل إلى أنقرة مساء الاثنين (2/3/2020) وفد أمريكى يضم مبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا جيمس جيفرى ومندوبة أمريكا فى الأمم المتحدة كيلى كرافت لإجراء مباحثات مع المسئولين الأتراك حول الأوضاع فى سوريا والتطورات فى إدلب، كان هدفها الوقيعة بين تركيا وروسيا وعرقلة رغبة أردوغان فى لقاء بوتين. فعقب وصول هذا الوفد أدلى جيمس جيفرى صباح الثلاثاء (3/3/2020) بتصريحات أعلن فيها أن «بلاده على استعداد لتزويد تركيا بالذخيرة والمساعدات الإنسانية فى منطقة إدلب». لكن يبدو أن هذا التحرك الأمريكى جاء بعد فوات الأوان، وبالتحديد بعد أن كانت القيادة التركية قد حسمت أمرها بإنهاء عمليتها العسكرية فى إدلب «درع الربيع» حرصاً على عدم التورط فى مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا، بعد أن أدركت أن روسيا جادة فى تعظيم نجاحات الجيش السورى والمحافظة على وحدة الأراضى السورية وهزيمة الإرهاب، ناهيك عن الخشية من تراكم الخسائر فى الأرواح وتفادياً لنجاحات المعارضة التركية فى تأليب الرأى العام التركى ليس فقط ضد عملية «درع الربيع» بل ضد كل سياسات التدخل التركى فى سوريا. ذهاب الرئيس التركى إلى موسكو كان بمنزلة إفشال لزيارة الوفد الأمريكي، الإدراك الأمريكى بالفشل أكده تهافت الرئيس التركى للحصول من موسكو على اتفاق يقضى بوقف إطلاق النار فى إدلب، كما أكده القبول الروسى لانعقاد القمة بعد التأكد الروسى الكامل من استعادة الجيش السوري، مدينة «سراقب» التى تتحكم بالطريقين الدوليين (إم 4) الذى يربط بين حلب واللاذقية و(ام 5) الذى يربط بين حلب ودمشق، واستعادة السيطرة على هذين الطريقين وإجهاض كل النجاحات العسكرية التى كانت قد تحققت للمعارضة بفضل المشاركة التركية المباشرة فى القتال ضد الجيش السوري، ما يعنى أن قمة موسكو بين بوتين وأردوغان كانت تعنى استسلاماً تركياً مسبقاً للشروط والمطالب الروسية، وجاء مضمون الاتفاق الذى تم التوصل إليه فى موسكو ليثير الذعر الأمريكى ويفاقم الخسارة الأمريكية على جميع المستويات، سواء على مستوى التنافس الأمريكى مع روسيا على تركيا، أو على تأكيد النفوذ الروسى فى سوريا، أو على صعيد الحصول على دعم تركى لمطلب وحدة الأراضى السورية ورفض أى وجود أجنبى كما تريده روسيا، وهو ما يهدد النفوذ الأمريكى فى شرق الفرات، ويعطى للجيش السورى طموحاً بتحرير هذه المنطقة واستعادتها وإنهاء الوجود الأمريكى بعد اكتمال استعادة إدلب وتنظيم العلاقة مع تركيا، ومن هنا جاء الرفض الأمريكى لصدور إعلان من مجلس الأمن لاتفاق يقضى «تكتيكياً» بوقف إطلاق النار فى إدلب، لكنه يدعم إستراتيجياً التزام كل من موسكو وأنقرة باستقلال «الجمهورية العربية السورية» ووحدة أراضيها، ويؤكد عزم روسيا وتركيا على محاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية دون استثناء لجبهة النصرة، ويدعم كل النجاحات العسكرية التى حققها الجيش السورى فى محافظة إدلب، خصوصاً فى ظل ما أكده الكرملين ووزارة الدفاع الروسية يوم الأربعاء (4/3/2020)، أى قبل ساعات من انعقاد قمة موسكو فى البيان الذى وصف التدخل العسكرى السورى فى ريف إدلب بأنه «تدخل مشروع»، وأن القوات الأجنبية فى سوريا، باستثناء الروسية التى جاءت بطلب سوري، «غير شرعية» ويجب أن تغادر الأراضى السورية سلماً أو حرباً فى إشارة إلى القوات الأمريكية الموجودة فى منطقة شرق الفرات السورية. كل هذه المبررات كانت كافية كى ترفض واشنطن صدور إعلان من مجلس الأمن يؤيد اتفاق وقف إطلاق النار فى إدلب الذى توصلت إليه قمة بوتين- أردوغان الذى يعنى بوضوح أن الولايات المتحدة تأتى على جدول من سيدفع أثمانه، لكن يبدو أن الأمريكيين لن يكتفوا برفض الاتفاق بل سيعملون جاهدين على إفشاله من خلال إغراء جبهة النصرة بالخروج عليه كمدخل لتأزيم العلاقات الروسية ـ التركية .


لمزيد من مقالات ◀ د. محمد السعيد إدريس

رابط دائم: