رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تحديات التعنت الإثيوبى

ليس ثمة مفر من التوقف ملياً عند دلالات الموقف الإثيوبى الأخير تجاه مفاوضات التوصل إلى اتفاق متوازن حول قواعد ملء خزان سد النهضة وتشغيله، والذى تمثل فى الغياب عن الجلسة التى كان يُفترض فيها أن تكون نهائية بعد أن أعد الطرف الأمريكى بالتشاور مع البنك الدولى مسودة الاتفاق النهائى بناءً على ما جرى من مداولات بين الأطراف كافة، وبدلاً من أن يحضر الطرف الإثيوبى ويبدى ملاحظاته على المسودة -كما فعل المفاوض السودانى وأُخذت ملاحظاته بعين الاعتبار- اختار أن يغيب كمظهر جديد من مظاهر التعنت، كما يمكن أن يُستنتج بوضوح من بيان الخزانة الأمريكية الذى أكد أن العمل الذى أُنجز خلال الأشهر الأربعة الماضية أسفر عن اتفاق يعالج جميع القضايا بطريقة متوازنة ومنصفة مع مراعاة مصالح البلدان الثلاثة، وأشار إلى أن صياغة المسودة اعتمدت على سبع سنوات سابقة من الدراسات والمشاورات الفنية بين الدول الثلاث، وأن الاتفاق ينص على حل جميع القضايا المعلقة بشأن ملء السد وتشغيله، وقد أعرب البيان عن تقديره للموقف المصري، وهو أمر طبيعى بالنظر إلى الاتساق التام الذى تميز به من زاوية اعتماد الأسلوب التفاوضى سبيلاً وحيداً للحل والاعتراف بالمصالح الإثيوبية شريطة التسليم الإثيوبى بالمصالح الحيوية المصرية وفقاً لمبدأ عدم التسبب فى ضرر جسيم لبلدان المصب، وهو المبدأ الذى شدد عليه البيان الأمريكى وعلى أنه لا ينبغى إجراء الاختبار النهائى والملء دون اتفاق، منوهاً بقلق سكان دولتى المصب مصر والسودان بسبب العمل غير المكتمل لضمان التشغيل الآمن للسد والحاجة إلى تنفيذ جميع تدابير السلامة اللازمة للسدود وفقاً للمعايير الدولية قبل بدء التعبئة، وهى إشارة فى غاية الأهمية بقدر ما تعنى أن ثمة أساساً للمخاوف المتعلقة باعتبارات الأمان فى السد.

كان هذا عن الموقف الأمريكى عقب الغياب الإثيوبى عن الاجتماع الذى كان يُفترض فيه حسم المسألة، فماذا عن رد الفعل الإثيوبي؟ أصدرت الخارجية الإثيوبية بياناً يستحق التوقف عنده لأنه كاشف لحقيقة الموقف الإثيوبي، فقد بدأ البيان بالإعراب عن خيبة الأمل أو الإحباط، لأن مسودة الاتفاق التى وقعتها مصر بالأحرف الأولى حول قواعد الملء والتشغيل ليست محصلة للتفاوض والنقاش الفنى والقانونى للدول الثلاث، ولأن هذه الدول مازال يتعين عليها أن تناقش مسائل بارزة تتعلق بالاتفاق النهائى حول هذه القواعد، وأن إثيوبيا ملتزمة بالاستمرار فى المشاورات مع مصر والسودان فى معالجة هذه المسائل للتوصل إلى الاتفاق النهائى حول قواعد الملء والتشغيل، ولقد أعربت وزارتا الخارجية، والموارد المائية والرى المصريتان بحق عن بالغ استيائهما من البيان ورفضهما له لاشتماله على عدد من المغالطات وتنصله الواضح من قواعد القانون الدولي، فقد أكد البيان المصرى أن ما ورد فى البيان الإثيوبى من إشارة إلى اعتزام أديس أبابا المضى فى ملء خزان السد بالتوازى مع أعماله الإنشائية وليس ارتباطاً بالتوصل إلى اتفاق يخالف مبادئ القانون الدولى وإعلان المبادئ 2015 ، الذى نص فى المادة 5 على ضرورة الاتفاق على قواعد ملء السد وتشغيله قبل البدء فى عملية الملء، وأود أن أُضيف إلى التكييف القانونى للبيان بعداً سياسياً، فهو ينطوى على تناقضات ظاهرة، فالبيان يتحدث عن الحاجة لمزيد من الوقت بينما يغيب عن جولة المفاوضات التى كان من الممكن أن تتيح له مزيداً من الوقت الكافى للتشاور الذى طال أمده أكثر من خمس سنوات، وقد سبقت الإشارة إلى الوفد السودانى الذى حضر وأبلغ الجانب الأمريكى بملاحظاته وتم تضمينها فى المسودة فلماذا لم يتبع الجانب الإثيوبى السلوك نفسه؟ أما إذا كانت هناك خلافات داخلية إثيوبية فهو أمر آخر ومستغرب، لأنه لا يُعقل بعد كل هذه المدة ألا تكون الرؤية الإثيوبية لمضمون الاتفاق قد تبلورت وإلا فهو استمرار للعبة الممجوجة لكسب الوقت والمماطلة، غير أن الأخطر من هذا كله هو التناقض الظاهر بين تباكى البيان الإثيوبى على مسودة الاتفاق التى لم تأت ثمرة لتفاوض ونقاش فنى وقانونى بين مصر والسودان وإثيوبيا والادعاء بأن إثيوبيا ملتزمة بالاستمرار فى المشاورات مع مصر والسودان لمعالجة المسائل المتبقية وصولاً إلى الاتفاق النهائي، وبين ما أوضحه البيان من أن إثيوبيا ستمضى قدماً فى ملء السد بالتوازى مع بناء السد، أى أن إثيوبيا تدعى حاجتها لمزيد من الوقت للتشاور الداخلى حول مسودة اتفاق أعدها الوسيط الأمريكى بناء على مشاورات مكثفة شارك فيها الجميع من ناحية، وتمضى قدماً من ناحية أخرى فى اتخاذ أخطر قرار يتعلق بالمشكلة -وهو قرار الملء- بمفردها، فما هذا الاستخفاف بمبادئ القانون الدولى وإعلان المبادئ الذى وقعت عليه؟ صحيح أن البيان الإثيوبى قد ادعى أن قيام إثيوبيا بالملء سوف يكون متسقاً مع مبادئ الاستخدام العادل وعدم التسبب فى ضرر جسيم بما يتسق وإعلان المبادئ، لكن هذا يعنى أن إثيوبيا هى الخصم والحكم فمن أين تأتى العدالة؟

مازالت المعركة الدبلوماسية مستمرة إذن، وإذا كانت مصر قد تبنت الخيار الصحيح فى معركة السد فقد اتبعت فى السابق بحسن نية أسلوب الدبلوماسية الناعمة، لكن أوان الدبلوماسية الخشنة قد آن، ولابد من ممارسة أقصى قدر من الضغوط على كل المستويات الدولية بما فى ذلك الأمم المتحدة بهدف شرح الحقوق العادلة لمصر والانتهاك الإثيوبى لقواعد القانون الدولي، والسعى إلى ترجمة هذه الضغوط إلى كوابح تعقد مهمة إثيوبيا فى استكمال السد حتى ترضخ لمبادئ القانون الدولى وتلتزم بإعلان المبادئ، ولمصر خبرة هائلة فى المعارك القانونية من أجل استخلاص الحقوق الوطنية، ومن حسن الحظ أن الموقف الأمريكى يبدو حتى الآن متفهماً للموقف المصري، ولن توجد القوة التى تضغط على مصر كى تتنازل عن حقها فى الحياة.


لمزيد من مقالات د.أحمد يوسف أحمد

رابط دائم: