الراحل الكبير عبدالوهاب المسيرى (1938 ــ 2008) رسم خيطا رفيعا بين التقليد والمحاكاة. يقول: التقليد أن تحاول نقل الشيء بحذافيره، أما المحاكاة فهى السعى للوصول إلى جوهر الشيء وتوليد ما يناسبنا منه.
فى الحياة، هناك أشخاص يتطلع كثيرون لتقليدهم باعتبارهم مثلا أعلى. وفى ستينيات القرن العشرين، كان نجوم فرقة البيتلز البريطانية الشهيرة قدوة لشباب كثيرين حول العالم، عشقوا ألحانهم وأغانيهم وقلدوهم فى الملبس والهيئة، الأمر نفسه انطبق على المغنى الأمريكى الراحل ألفيس بريسلى ونجوم آخرين فى الفن والرياضة.
قبل أيام، انسحب المرشح الأمريكى الشاب بيت بوتيدجيدج(38 عاما) من سباق الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الديمقراطيين لانتخابات الرئاسة الأمريكية. أدرك أن حظوظه فى الترشح منعدمة. شاب، وسيم، ذكى يتحدث 8 لغات، نجح فى جذب فئات عديدة إلى حملته لكنه حاول أن يقلد أوباما معتقدا أنه يستطيع بنفس الصيغة التى ابتكرها أول رئيس أسود، وهى التبشير بالأمل فى مواجهة الانقسام، أن يكرر الإنجاز ويصل للرئاسة كأول رئيس يعلن مثليته الجنسية.
لم يقتنع أنصار الحزب الديمقراطى، أطلقوا عليه أوباما الخفيف. اعتبروه صورة باهتة لرئيس علق الناس عليه آمالا كبارا ليس فى أمريكا وحدها بل فى العالم أجمع. نجح أوباما فى جعل كل شخص يشعر بأنه يتحدث إليه شخصيا حتى لو كان يخطب فى عشرات الآلاف. إنها موهبة ربانية لا تتوافر إلا لقلة قليلة، وهى بالمناسبة لا يتم اكتسابها. ثم إن الزمن تغير بعد مجيء ترامب، كما تغيرت السياسة وبتنا فى عصر الأخبار الكاذبة والحقائق البديلة والحروب التجارية.
ليس بوتيدجيدج وحده الذى ضل طريقة بالتقليد والعيش بجلباب آخرين انبهر بهم، فخلال القرن العشرين، حاول سياسيون كثيرون تقليد زعماء كبار مثل كيندى وعبدالناصر لكنهم ذهبوا وبقى الأصل.
كل إنسان، عاديا كان أم متميزا، لديه جينات فريدة حباه الله بها، من المؤسف أن يتخلى عنها ليصبح مجرد نسخة ثانية أو ثالثة لشخص آخر مهما علا قدره. القدوة مطلوبة وبشدة لكن التقليد جريمة بحق الشخص نفسه ولن تحقق له ما يصبو إليه.
[email protected]لمزيد من مقالات عبدالله عبد السلام رابط دائم: