رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أزمة أفول القيم

القيم هى مجموعة الضوابط الاجتماعية والمحددات السلوكية والمعايير والمثل أو الغايات العليا التى تنظم حياة الفرد وسلوكه وعلاقته مع الآخر، وبالتالى فهى مقوم للبناء الاجتماعى ومرآة للمجتمع، وهناك فكرة شائعة جدا بأننا نعيش اليوم اختلالا فى القيم؛ حيث تم إسقاط الهالة التى تحيط بها والنظر إليها على أنها نسبية والحط من قدرها، نتج عنها ما يسمى بأزمة أفول القيم، وهى أزمة لا تخص فقط الأطر الأخلاقية التقليدية التى أرستها الديانات الثلاث، وإنما تخص القيم العلمانية أيضا التى سعت لأن تكون البديل، وكان من أهم مظاهر تلك الأزمة غلبة القيم المادية النفعية على علاقات الأفراد, إحلال الفردية محل الجماعية، سيادة قيم الاستهلاك، السلبية واللامبالاة، ضعف الانتماء، وخفوت القيم الجمالية.

ويمكن إيجاز العوامل التى أدت إلى تراجع منظومة القيم, فيما يلى:

ــ الإيمان والقيم الروحية: يلعب الإيمان دورا حيويا فى منظومة القيم لأنه فى جوهره اعتناق لمجموعة من القيم, فالإيمان يعمل على ترقية المراقبة الذاتية فيما يتعلق بسلوك الفرد فى المجتمع، وحيث يسود الإيمان تنتعش القيم والعكس صحيح.

ــ الأسرة والتربية وعلاقتهما بالقيم: تترسخ القيم من خلال غرس التربية، ولما كانت القيم ذاتية فإن التربية والتنشئة تلعبان دورا حيويا فى احترام الفرد للقيم والالتزام بها، والأسرة هى التى تغذى الفرد بالقيم التى تعتنقها. وكنتيجة لإهمال الوالدين فى القيام بوظيفتهما فى التنشئة الاجتماعية تم إفراز قيم وعادات غير مألوفة على الأسرة المصرية.

ــ المدرسة والقيم: رغم أن التقارير الرسمية تشير إلى أن العملية التعليمية قادرة على الوفاء بغرس القيم الإيجابية, فإن المثير للدهشة أن الواقع ونتائج الدراسات الميدانية لا تدعم هذا الرأي, خاصة مع بروز اتجاهات وقيم سلبية لدى الطلاب.

ــ دور المثال فى القيم: يلعب المثال دورا بارزا فى ترسيخ القيمة، سواء أكان ذلك عن طريق تقليد قيم المثال الذى قد يتجسد فى شخصية مثالية مثل المصلح الاجتماعى أو البطل القومى، وقد يتجسد فى صورة لاعب كرة أو ممثل أو مغن، ومن هنا تأتى خطورة المثال, إذ قد تكون قيم المثال غير متوافقة مع قيم المجتمع أو لا تراعى المصلحة العامة.

ــ تأثير الحالة الاقتصادية على القيم: شهدت مصر خلال العقود الخمسة الماضية تحولات اقتصادية واسعة، الأمر الذى أدى إلى انطلاق طبقة من رجال الأعمال لتحقيق الربح السريع دون الالتفات إلى منظومة القيم بالمجتمع، إذ بدأت تلك الطبقة بحملات لهدم الأنساق القيمية السابقة والتى تعرف بمرحلة رأسمالية الدولة القائدة والوطنية مع محاولة استبدالها بأنساق جديدة تتفق والواقع الاقتصادى الاجتماعى الجديد.

ــ تأثير الإعلام على القيم: لا نستطيع أن نغفل الدور السلبى الذى لعبته وسائل الإعلام على اختلافها فى تغيير العديد من أنماط التفاعل داخل المجتمع؛ خاصة بعد هيمنة المال السياسى. فلقد كشفت الدراسات أن القيم السلبية المتضمنة فى الأعمال الدرامية بالتليفزيون والإذاعة مثلا تفوق القيم الإيجابية، مما يسهم فى تبدل قيم المجتمع. وواضح أن وسائل الإعلام لم تستطع تحقيق التوازن بين حرية الإعلام وتحمل مسئولياتها الاجتماعية لتشكيل منظومة قيم تتوافق مع عادات وتقاليد المجتمع؛ خاصة بعد أن أصبحت القنوات الفضائية فى قبضة رجال الأعمال.

ــ أثر تكنولوجيا المعلومات والإنترنت على التغيير القيمي: تمثل ثورة المعلومات ثورة مادية لم تستطع مجاراتها ثورة أخلاقية ودينية وروحية معاصرة تتوازن معها. ولا يمنع ذلك من كون ثورة المعلومات تقوم بدور إيجابى فى نشر العلم والثقافة وإحداث التقارب بين الثقافات.

ــ الثورات والقيم: إن القيم والمبادئ الموجهة للسلوك الإنسانى تكون عادة فى الأوقات التى يسودها الاستقرار، وتكون سلطة وقدرة المؤسسات القائمة قوية وآمنة ومن الأمور المسلم بها. أما فى أوقات عدم الاستقرار، فإن الاحتمال الأرجح أن تكون القيم السائدة موضعا للشك أو الجدل أو التحدى. ومن قبيل التناقض؛ أن تكون القيم فى الغالب الأعم، أكثر تعرضا للشك فى الوقت الذى تكون فيه الحاجة إليها أشد.

ولكن هل هذا يعنى أننا نسير نحو عالم يخلو من أى قاعدة سلوكية؟ لا أظن ذلك فالقيم الإيجابية موجودة بالمجتمع دائما ولكن لدى طبقات قليلة تحصنت بها؛ فهى لم تختف تماما بل تراجعت أمام طوفان من القيم السلبية. ولكن دون شك هناك أزمة تتمثل فى أننا أضعنا بوصلتنا الأخلاقية ولم نعد نتمكن من تحديد الاتجاه الصحيح، لا توجد أزمة قيم بقدر ما توجد أزمة فى تحديد معنى القيم وفى الاستعداد والأهلية لإدارة شئوننا, فالمسألة الملحة تتلخص إذن فى معرفة كيفية توجهنا بين القيم، وهذا يدل على ضخامة المهمة الملقاة على عاتقنا, إذ يحتاج الإصلاح إلى خطة طويلة الأمد، لأنها تتعلق بتغيير معتقدات وأفكار وثقافات تكتسب من واقع محيط مؤثر بالفرد ولا تظهر على السطح كظاهرة إلا بعد طول ممارسة ومعايشة للواقع، وتبقى التربية والاعتصام بمبادئ الدين هى الأسس السليمة للخروج من أزمة القيم.

[email protected]
لمزيد من مقالات د. حازم محفوظ

رابط دائم: