رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أوروبا تخير بريطانيا : إما نحن أو الدجاج الأمريكى

منال لطفى

لم يعط الاتحاد الأوروبي بريطانيا أي خيار: نحن أو الدجاج الأمريكي!.

فقد أعلن ميشيل بارنييه، رئيس المفاوضيين الأوروبيين في المفاوضات مع بريطانيا حول مستقبل العلاقات ما بعد البريكست، الخطوط الحمراء الأوروبية للمفاوضات، ومن بينها أن تتعهد بريطانيا بعدم إدخال أسواقها المنتجات الغذائية الأمريكية المغسولة بالكلور وعلي رأسها الدجاج إذا ارادت أن توقع اتفاقية تجارية مع أوروبا.

 

لم تتوقع لندن أن يكون هذا الشرط علنيا وأحد الخطوط الحمراء الصريحة، لكن فرنسا أصرت ودفعت بارنييه لوضعه كشرط للتوصل إلي اتفاقية للتجارة الحرة بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي الـ27.

بريطانيا لا تأكل الدجاج، بل تلتهمه وهي تستهلك نحو مليار دجاجة في العام الواحد. فتجد ذلك الطائر في كل الوجبات تقريبا: بطعم الكاري الحار، أو بين طبقات من المكرونة والجبن، وبداخل فطيرة مع قليل من المشروم والباشمل، ناهيك عن المشويات والأكلات السريعة.   

وتعد الصناعات الغذائية الأمريكية مغرية من ناحية السعر، لكن جودتها ليست مضمونة علي الدوام لعدة دواع أبرزها استخدام الكلور وغيره من المحاليل الحمضية المطهرة لغسل الدجاج.

فلماذا يفعلون ذلك؟. إذا جاء الرد من المزارعين الأمريكيين فسيكون هكذا: لنضمن قتل أي بكتيريا ضارة.

لكن دول الاتحاد الأوروبي لديها رد مختلف وهو أن أمريكا تغسل دجاجها بالكلور وغيره من المواد المطهرة «لإخفاء ممارسات خطيرة غير صحية ولا تتطابق مع معايير الجودة لدي الاتحاد».


فالاتحاد الأوروبي نفسه يغسل كثيرا من الخضراوات بالكلور، خاصة ما يدخل منها في أطباق السلاطة ولا تطهي علي النار. كما أن صنابير المياه في دول الاتحاد تحمل مياها معالجة بالكلور. لكن إجراء غسل الخضر والفواكه الطازجة بهذه المادة هو مجرد إجراء احترازي لقتل أي بكتيريا ضارة محتملة. فالكلور بحد ذاته ليس مادة ضارة علي صحة الإنسان.والفرق بين استخدام الكلور لغسل الخضراوات والفاكهة الاوروبية، واستخدامه لغسل الدجاج الأمريكي «كبير» من وجهة نظر بروكسل.

فمزارع تربية الدجاج في الاتحاد الأوروبي تعمل وفق قوانين صارمة، بدءا من مساحة المزرعة، وأنواع الطعام المقدمة للدجاج، مرورا بدرجة الإضاءة والتدفئة، إضافة إلي القواعد المتبعة في خطوات الذبح، والتخزين، والتعبئة.

فوفقا لتلك الضوابط، هناك بنود ملزمة حول المساحات اللازمة لتربية الدجاج علي سبيل المثال. فزيادة الأعداد أكثر من اللازم في المزارع، والأعلاف المعدلة وراثيا المستخدمة لإطعامه كي ينمو بسرعة، محرمة قانونيا في أوروبا.

وبالتالي، لا تجد دوله الـ27 نفسها مضطرة أصلا لغسل الدجاج بالكلور بعد ذبحه لأن البيئة التي نشأ فيها «صحية وسعيدة» أساسا.

ويتناقض هذا كله مع وضع مزارع الدجاج في الولايات المتحدة. فهناك قواعد ومعايير لضمان جودة الإنتاج، لكنها «اختيارية» وليست «اجبارية». ولذلك، تعاني مزارع الدجاج الأمريكية اكتظاظا واضحا. وعلاوة علي هذا، فإن الاعلاف التي تقدم لهذا الدجاج بها كثير من الهرمونات الضارة. أما شروط الإضاءة والتدفئة في تلك المزارع فأبعد ما تكون عن الضوابط الأوروبية. ولا تختلف الصورة كثيرا، من وجهة نظر بروكسل، فيما يتعلق بالذبح والتعبئة هناك. ونظرا لضعف إجراءات النظافة والسلامة إجمالا، لم تجد المجازر الأمريكية حلا سوي غسل كل شيء بالكلور لتجنب أنواع من البكتيريا سيئة السمعة مثل «أي كولي» و«السلامونيلا». وكانت هذه الهوة في المعايير الغذائية والزراعية بين أمريكا ودول الاتحاد السبب الأساسي وراء انهيار مفاوضات التجارة الحرة بينهما، وذلك بعدما رفضت بروكسل معايير واشنطن فيما يتعلق بالتعديل الوراثي أو اللعب بالجينات، واستخدام الهرمونات، والمبيدات الحشرية والمضادات الحيوية.

 

تشويه سمعة الدجاج الأمريكي

وأمام حرب «تشويه السمعة»، ردت واشنطن علي لسان سفيرها في لندن، أدي جونسون، بالتأكيد أنه لا مشكلة علي الإطلاق في الدجاج القادم من أمريكا، وأن بلاده متمسكة بفتح السوق البريطانية أمام اللحوم والمواد الغذائية الأمريكية في أي اتفاقية للتجارة الحرة توقع مستقبلا بين الطرفين.

ويردد المزارعون الأمريكيون أن الحملة الأوروبية ضد منتجاتهم «ظالمة» علي أساس أن مزارع الدجاج الأوروبية «ليست مثالية إلي هذه الدرجة المزعومة»، وأن بعض المنظمات الأهلية المختصة في مسائل رعاية الحيوان تصدر تقارير دورية دامغة حول تكدس الدجاج وسوء وضعه في مزارع أوروبا. كما يجادل المزارعون الأمريكيون بأنهم لا يستخدمون الكلور وحده في التطهير، بل يستخدمون مواد أخري مثل حمض اللبنيك، وحمض الباسك.

ويرون أن أوروبا تريد أن «تحمي نفسها وأسواقها» من منافسة أمريكية شرسة. فالولايات المتحدة هي أكبر منتج للدواجن في العالم، وتصدر نحو 20% مما تنتجه. وبسبب عدم صرامة معايير الجودة والسلامة الأمريكية، فإن الأسعار هناك تعتبر منخفضة مقارنة بأسعار أوروبا.

ومن المنتظر أن يشترط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علي أن تفتح بريطانيا أسواقها أمام تلك المنتجات، فالسوق البريطانية أحد أكبر ثلاثة أسواق في أوروبا وفتحها أمام الصادرات الأمريكية سيكون مصدر ربح كبير لهذا القطاع الاقتصادي القوي هناك.

وتجادل إدارة ترامب بأنه من الإنصاف إدخال المنتجات الأمريكية إلي بريطانيا، لتباع إلي جانب المنتج المحلي والأوروبي، وترك حرية الاختيار أمام المستهلك. لكن بعض الجهات في بريطانيا تتخوف من منح ميزة غير عادلة للسلع الأمريكية وهي السعر. فنظرا لغياب الضوابط الملزمة قانونا في المزارع الأمريكية، فإن تكلفة الإنتاج هناك أقل من نظيرتها الأوروبية والبريطانية، وبالتالي تتميز برخص أسعارها بشكل لافت. وبالفعل، حذر «الاتحاد الوطني للمزارعين البريطانيين» حكومة جونسون من السماح بدخول المنتجات الحيوانية  أو المواد الغذائية الأمريكية إلي السوق البريطانية لأن هذا الإجراء سيدمر الصناعات الغذائية والحيوانية المحلية. وقال رئيس الاتحاد، مينيت باترز، إنه «سيكون إفلاسا اخلاقيا وجنونا» إذا أسقط بوريس جونسون المعايير الزراعية والغذائية الممتازة في بريطانيا من أجل إبرام صفقة للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة.

ورافق هذه التصريحات كثير من الصور للدجاج الأمريكي التي تملأ الصحف البريطانية الصباحية مع تعبيرات وأوصاف أغلبها يدور حول «البريكست» ومخاطر «التسمم».

فالعودة المفاجئة لكلمة «بريكست» لتشغل العناوين والنقاش العام أدهشت كثيرين ودفعتهم للتساؤل: ألم يتم البريكست؟. ولماذا تعود الجلبة حوله ؟.

والإجابة البسيطة هي أن البريكست تم من حيث شقه الأول فقط وهو الخروج من الاتحاد. أما الشق الثاني المتعلق بالعلاقات المستقبلية، وهو الشق الصعب فعلا، فسيتم التفاوض حوله حتي نهاية العام الحالي علي أمل التوصل لصفقة تجارية مع أوروبا.

 «بريكست» يعود للواجهة

لكن البشائر تشي بطريق مفاوضات صعب ومعارك كبيرة حول معايير الجودة، والبيئة، والمنافسة العادلة، والمساعدات الحكومية، والملاذات الضريبية، ونقاط التفتيش والمراقبة الجمركية بين بريطانيا وأيرلندا الشمالية في البحر الأيرلندي.

فالاتحاد الأوروبي شدد علي أن شروطه الحمراء «غير قابلة للتفاوض» لأنها تهدف لحماية السوق الأوروبية ومصالح الدول الأعضاء. فالتدخل الفرنسي الحاسم لمنع استيراد بريطانيا للدجاج الأمريكي خطوة تحمي صادرات اللحوم الأوروبية، لكنها توجه عقبة كبيرة أمام صفقة تجارة حرة بين لندن وواشنطن. ومما لا شك فيه أنه هدف أوروبي أساسي لأنه سيجبر بريطانيا علي الالتزام بمعايير الجودة والسلامة الأوروبية. وسيجعل لندن مرنة أكثر في المفاوضات مع الأوروبيين ومطالبهم ومن بينها السماح لمراكب الصيد الأوروبية بالعمل في المياه الإقليمية البريطانية بعد البريكست مقابل منحها مزايا في ملفات أخري منها وضع لندن المالي.  

وهكذا، فإن مصطلحات منها: «بريكست» و»مفاوضات التجارة الحرة» و«أيرلندا الشمالية» و«الدجاج المغسول بالكلور» و«حصة الأسماك» ستعيش معنا خلال الأشهر المقبلة، وهي مفاجئة مفجعة لمن صدقوا وعود جونسون حول «تطبيق البريكست والالتفات لقضايا أخري». فالحقيقة أنه دون التوافق علي اتفاقية للتجارة الحرة مستقبلا مع بروكسل، ومعرفة ملامحها، سيكون من الصعب علي حكومة جونسون التخطيط لأي شيء آخر. حتي وزير الخزانة الجديد، روشي سوناك، أعلن تأجيل طرح الموازنة العامة الجديدة حتي مارس المقبل، موضحا أنها ستعلن «علي مراحل» بسبب غموض تأثير «فيروس كورونا» علي الاقتصاد العالمي. وهذا مبرر فيه شيء من الصحة، لكنه ليس مكتملا. فالسبب الآخر لإعلان الموازنة علي مراحل هو أن سوناك يريد أن يتأكد من وجود أموال أصلا لإنفاقها علي المشروعات الضخمة التي وعد بها جونسون الناخب البريطاني. ففي نهاية المطاف، إذا تعثر التوصل لاتفاقية للتجارة الحرة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، سيمني الاقتصاد البريطاني بضربة كبيرة ولن يكون هناك أي أموال لإنفاقها علي أي شيء.

وإذا كان جونسون يعول علي أنه حتي إذا فشلت المفاوضات التجارية مع أوروبا، فإن هناك بدائل تجارية أخري مع أستراليا وكندا والولايات المتحدة، فإن معركة «الدجاج المغسول بالكلور» حطمت هذه الآمال. فالكلور لدي البريطانيين مرتبط بالمواد المطهرة التي تستخدم لغسل المراحيض. ويمكن القول إنه في حرب العلاقات العامة خسرت واشنطن هذه الجولة، وسيكون من المستحيل علي جونسون الضغط علي الشارع البريطاني لقبول «هضم» الدجاج والمنتجات الزراعية الأمريكية. وإذا ما ضغط جونسون أكثر من اللازم فقد يجد أن «فترة صلاحيته أوشكت علي الانتهاء» في خلال وقت قصير. 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق