رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

قطع الطريق على إنقاذ الغريق

حين أعياه البحث عن عملٍ يقتاتُ مِنه، اكتشف (قنديل) أو الفنان الراحل (إسماعيل ياسين)، أنه من الممكن أن يتكسب من إنقاذ الغرقى في نيل القاهرة، إنها الفكرة التي تفتق عنها وعيُه المسطور كوميديا، في فيلم المخرج الراحل حسن الصيفي (المجانين في نعيم)، ولهذا حين لمح سباحًا يضرب ماء النيل بيديه، توهم أنه غريق يُفتش عن قشة نجاة، ورآهُ باب رزق سيمنحه ما يُغني يومه، وبغض النظر عن كونه لا يجيد السباحة، خلع ملابسه وقفز وما أن لامس الماء، حتى بدأ في الصراخ طالبًا النجدة، والتي جاءته عبر ساعد السباح أو الغريق المُتخيل، وبعدما حمله هذا الأخير إلى الشاطئ، طالبه (قنديل) بأن يمنحه أجر إنقاذه، لكن هذا المُنقِذ راح يوبخه لكونه تسبب في خروجه من سباق السباحة، الذي كان على وشك الفوز به، لولا استغاثات الغرق التي أصدرها مُنقِذ لا علم له بالسباحة!.

بعدما أعيى وعينا، البحث عن صناعة وعي وطنيٍ، يُقيم زاده أَوَدَ المواطن، ويقي تعاطيه من وعثاء السفر إلى وطن، ويداوي التزود منه عِلَل التسطيح والتفتيت والتشتيت والتفاهة، يُطلُ مشهد إنقاذ الغشيم للغريق العليم في فيلم (المجانين في نعيم)، ليفرض كوميديته المأساوية على واقعية صناع وعينا العبثية، حتى يغدو فعل المُنقِذ إعلاميًا، منافيًا لأهداف المُنْقّذ، أو المستهدف إنقاذه، بل وخرج به عن مساراته المستهدفة في إعمار الوطن بوعيٍ مستنير، يتناسب مع حجم طموحات عموم أبنائه، وكذا حجم أوجاعهم المصنوعة بأسبابٍ مركبة من الفساد والإفساد والتربص، ولتخرج غاية الإنقاذ عن كلِ سياقاتها، فلا هي مُنقِذَةٌ لغريق، ولا هي داعمةٌ للسابحين في محيط التربص أملًا في بلوغ بر أمان!.

في المسافة بين مشهد (إسماعيل ياسين) المصنوع عام 1963، وبين مشهد صناعة الوعي عام 2020، إعادة ركيكة لتمثيل مشهد إنقاذ الغريق من قِبَلِ الجاهل بالسباحة، والضحية في المشهد الكوميدي الأول كان فردًا رياضيًا خسر بجهل المنْقِذْ مسابقة رياضية، أم في كوميديا واقعنا المأساوية، فالخاسر شعبٌ ووطن، قرر المُتربصون به منذ 2013، أن يفرضوا عليه السباحة في عواصفٍ مصنوعة وموجهة، تضرب فيه كل مكامن القوة، وتستهدف مِنه كل أسباب الوعي بالنجاة من الغرق، ولهذا الهدف كُرِست الجهود الأممية، ورُصِدَت الميزانيات المفتوحة، واستُؤجِرتْ الأبواق والأفواه والعقول، ووضعت بيوت الخبرة الدولية خِطط إدارة الحملات، ليكون إغراق الوعي محطة أولى نحو إسقاط الوطن.

في أقلِ من أسبوعٍ واحد، شهد واقع صناعة الوعي الوطني، حالات إنقاذٍ تُطابِق في إخراجها تفاصيل فيلم (إسماعيل ياسين)، وإن كانت في تأثيرها تُثير القلق أكثر ما أثار الفيلم الضحك، فلقد قررت نوافذُ إعلامية ترفع راية الذود عن الوطن وناسه، أن تستحيل أبواقًا تُروِّج لخطاب المتربصين بالوطن، عبر ما يُمكن تسميته الدعاية السوداء، فيُنتج أحد المتصارعين على كعكعة الإخوان ما يُسميه (فيلمًا روائيًا قصيرا)، ويُنَظِم له عرضًا خاصًا في عاصمة الخليفة المزعوم (أردوعان)، ويروج صانعه لأنه حصل على جائزة من أحد مهرجانات أوروبا، ويمر الحدث أو يكاد على جمهوره، فيما صانعه يسعى بكلِ سبيل لتسويقه، أو لتبنى الحديث عن مُنتَجِه عبر أى نافذة إعلامية، ليضمن استمراره في سبوبة، يعلم تمامًا أنها لا تعني الإخوان، والإخوان يعلمون تمامًا أن مُنتِجَهُم (بياكل عيش)، وفي هذه الأجواء تقرر نوافذ إعلامية مصرية خاصة أن تُفْرِد مساحاتٍ للهجوم على العمل الذي يتربص بمصر ووزارة داخليتها، ليُصبح العمل المزعوم سينما، حدثًا بعدما كاد يموت، وليبدأ رجل الشارع المصري الموجوع بتتابع تحديات الحياة، رحلته للبحث عن (تفاصيل حكاية فيلم الإخوان اللي الدنيا مقلوبة عليه)، وحتى لا يتخيل أحد أن في الأمر تهويلا، يمكن ببساطة عبر محركات البحث الوصول إلى عدد النوافذ الإعلامية التي كتبت إيجابًا عن العمل المزعوم، والتي روجت له سلبًا باعتباره (فيلما) وأيضًا (سينما).

تكرر نفس التعاطي في الأسبوع محل الحديث، عبر الدخول لتحليل حالة تراشق بين المُتصارعين على كعكة الإخوان الإعلامية، وهو ما منحهم حالة من تضخيم الحضور في مشهد الوعي الآني، بما يؤكده ولا ينفيه، ويؤهله لتصدر الخطاب الصادر عن أوعية تُصنِف نفسها باعتبارها تسعى لإنقاذ الوعي من الغرق في مستنقعات خطاب الإخوان الإعلامي، لكن الأزمة الحقيقية تكمن في منبت هكذا صناعة لوعينا الوطني، والمحكومةِ بدوافع لا تختلف كثيرًا عن دوافع (إسماعيل ياسين) في فيلمه، وإن كان هذا الأخير معذورًا بحاجته، لكنهم لا عذر لهم في أن حولوا صناعة الوعي في زمن الاستهداف إلى (سبوبة)، فتحول دوره من إنقاذ الغريق إلى تمهيد الدروب لمُستهدفي الإغراق، وقطعه عن المُنقذين والسباحين، ومنْ يتشبثون بالأمل في نجاةٍ ستتحقق بالوعي، أو بالفطرة، أو بوعد الله لمصر بالنجاة .


لمزيد من مقالات ◀ عبدالجليل الشرنوبى

رابط دائم: