رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اتصالات «محمومة» لوقف التدهور فى العلاقات الروسية التركية

د. سامى عمارة

المكالمة الهاتفية التى جرت بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان الأربعاء الماضى، بمبادرة من الرئيس التركى حددت كثيرا من ملامح الخلافات بين روسيا وتركيا بسبب إصرار القيادة التركية على مواصلة تمسكها بمواقعها فى إدلب السورية والمناطق التى تحتلها منذ اندلاع الأزمة السورية. وكانت موسكو أعلنت عن تراجع أنقرة عن تعهداتها التى نصت عليها «مذكرة» سوتشى والتزامات الآستانة، إلى جانب ما واكب ذلك من تهديدات تجاه أمن السفير الروسى فى انقرة، واتهامات أردوغان لروسيا بتورطها فى الصراع الدائر فى ليبيا، وهو ما يبدو مقدمة لخلاف يرى مراقبون فى موسكو انه لا بد أن ينتهى بانتهاء الوجود التركى فى الأراضى السورية.

استبقت مصادر الكرملين والخارجية الروسية موعد وصول الوفد التركى «عالى المستوى» إلى العاصمة موسكو هذا الأسبوع بالعديد من التصريحات حول مسئولية تركيا تجاه تصعيد التوتر فى إدلب السورية وعدم تنفيذها للشق الذى يتعلق تحديدا بفصل المعارضة المسماة المعتدلة، عن المجموعات المسلحة والفصائل الإرهابية بموجب مذكرة سوتشى التى وقعها بوتين مع أردوغان فى سبتمبر 2018. وننقل بهذا الصدد عن ماريا زاخاروفا الناطقة الرسمية باسم الخارجية الروسية تصريحاتها حول «أن سبب التدهور الحالي يعود إلى عدم التزام تركيا بتعهداتها فى إطار مذكرة سوتشى، ونقل أنقرة عناصر مما يسمى المعارضة السورية المعتدلة الموالية لها إلى شمال شرق سوريا». وقالت زاخاروفا ان بلادها ترى أن «المهمة الأساسية فى الظروف الحالية تكمن فى خفض مستوى العنف على الأرض، وتأمين حماية العسكريين من الدول الضامنة، الموجودين داخل وخارج منطقة خفض التصعيد، وكذلك منع إشعال مواجهة داخلية نتيجة عمليات عسكرية غير مدروسة». وبينما أعرب الرئيس التركى عن احتجاجه ضد تقدم الجيش السورى فى إدلب وما وصفه بقصف المواقع التركية واستشهاد عدد من جنوده، مهددا بالرد الذى سارعت موسكو بتحذيره من مغبة مثل هذه التصريحات، نقلت وكالة انباء «تاس» عن فلاديمير تارابرين رئيس قسم التهديدات والتحديات المستجدة فى وزارة الخارجية الروسية تصريحاته التى قال فيها: «صرحنا أكثر من مرة وبشكل لا لبس فيه، بأنه لا روسيا ولا القوات المسلحة السورية تهاجم السكان المدنيين. كل الهجمات موجهة حصريا ضد الجماعات الإرهابية، أولئك الذين يقاتلون ضد السلطات الشرعية». وردا على تصريحات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان التى اتهم فيها موسكو ودمشق باستهداف المدنيين، أكدت وزارة الخارجية الروسية أن روسيا وسوريا تستهدفان فقط الجماعات الإرهابية، فى إشارة الى مقاتلى «هيئة تحرير الشام»، وهو الاسم الذى تتستر وراءه «جبهة النصرة» السابقة التى تشكلت امتدادا لتنظيم «القاعدة» الإرهابية. أما عن اتهامات الرئيس التركى لروسيا وزعيمها بوتين بـ «التورط فى إدارة الصراع فى ليبيا على أعلى مستوي» والتى وصفتها موسكو بـ«المزاعم»، فقد اكتفى ميخائل بوجدانوف المبعوث الشخصى للرئيس بوتين فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالرد عليها بقوله «إنها لا تتوافق مع طبيعة الامور ولا أعلم من جاء بذلك».  

وكان أردوغان أعلن فى وقت سابق أن ممثلى القيادة العسكرية الروسية، يقودون نشاطات الشركات العسكرية الخاصة فى ليبيا، والتى يعرفها العالم تحت اسم «مجموعات فاجنر»، وهو ما كان الرئيس بوتين رد عليه مؤكدا ان هذه المجموعات لا علاقة رسمية لها بالمؤسسات الرسمية الروسية، فى وقت يعترف فيه أردوغان «جهارا نهارا» بدعمه لحكومة فايز السراج.

ومن اللافت فى هذا الصدد ما يقوله المراقبون حول احتمالات المزيد من التوتر فى علاقات روسيا مع تركيا، وهرولة أنقرة تجاه الحليف الأمريكى فى محاولة لكسب وده فى الخلاف مع موسكو. وكان أردوغان عاد إلى «مغازلة» واشنطن، بينما كلف وزير دفاعه خلوصى أكار بإجراء اتصالاته مع كل من الولايات المتحدة وحلف الناتو، ومناشدتهما تعزيز دعمهما لتركيا فى ظل تصعيد التوتر فى منطقة إدلب شمال غرب سوريا. وكشفت وزارة الدفاع التركية عن «أن خلوصى أكار عقد، على هامش اجتماع الناتو فى بروكسل، لقاءات مع عدد من نظرائه بينهم الأمريكى، مارك إسبر». وقالت مصادر وزارة الدفاع التركية، إن أكار أعرب لإسبر «عن ارتياحه لتصريحات المسئولين الأمريكيين حول آخر التطورات فى إدلب»، وشدد فى هذا السياق على «أهمية تقديم الولايات المتحدة والناتو مساهمة ملموسة» فى تسوية هذه القضية. وقد جاءت هذه الأنباء مواكبة لتلقى ألكسى يرخوف السفير الروسى فى تركيا للتهديدات التى تستهدف أمنه، وأمن سفارته على خلفية تصريحاته حول مسئولية تركيا تجاه تصاعد التوتر فى منطقةإدلب السورية، وعن تنفيذها لالتزاماتها بهذا الصدد،  فى الوقت الذى لم ينس فيه أحد فى روسيا حادث اغتيال أندريه كارلوف السفير الروسى السابق فى أنقرة فى ديسمبر 2016، وهو ما تغاضت عنه موسكو فى حينه، فى معرض المصالحة وتسوية الخلافات بين بوتين وأردوغان بعد القطيعة التى أعقبت إسقاط المقاتلة الروسية ومصرع قائدها فى سماء سوريا على مقربة من الحدود السورية التركية فى نوفمبر 2015. وقد سارعت مصادر الكرملين لتعرب عن يقينها من «أن تركيا ستتخذ كل الإجراءات اللازمة لضمان أمن موظفى السفارة الروسية فى أنقرة، وجميع المواطنين الروس الموجودين على أراضيها». وقال بيسكوف الناطق الرسمى باسم الكرملين «ان موسكو لا تشك في أن الجانب التركى سيتخذ كل الإجراءات الضرورية لضمان أمن السفير الروسى وجميع موظفى الشركات والمؤسسات الروسية الموجودين فى تركيا، وذلك وفقا لاتفاقية فيينا وروح علاقاتنا الثنائية». وردا على ما تردد من «أقاويل وشائعات» حول احتمالات فرض موسكو لتقييدات على سفر المواطنين الروس إلى تركيا، قال بيسكوف إن هذا السؤال يجب توجيهه إلى وزارة الخارجية، وإن سارع ليقول انه «لا توجد حتى الآن أى مؤشرات فى هذا الاتجاه». ولعل ذلك ما دفع السلطات التركية إلى الاستجابة لطلب السفارة الروسية فى أنقرة حول تشديد الإجراءات الأمنية حول مبانيها بعد تلقى السفير ألكسى يرخوف تهديدات عبر شبكات التواصل الاجتماعى، حسب التصريحات التى نقلتها وكالة «نوفوستي» عن إيرينا قاسيموفا الملحق الصحفى للسفارة الروسية، فى نفس الوقت الذى تقول فيه مصادر روسية إن موسكو تغض الطرف عن تهديدات أردوغان على اعتبار انها تصدر «للاستهلاك الداخلي»، إن جاز هذا القول. غير أن هناك من المعلقين الروس من يتوقع أن موسكو سوف ترد على أردوغان «فى حال تنفيذه لتهديداته بعدم التردد فى إصدار الامر بضرب الاهداف التى يمكن ان تشكل تهديدا مباشرا لقواته فى المنطقة». ونقلت صحيفة «فزجلياد» (وجهة نظر) عن الخبير السياسى جيفورد ميرزايان ما قاله حول انه «إذا أسقطت تركيا طائرة روسية فوق الأراضى السورية، بزعم أنها يمكن أن تشكل تهديدا للقوات التركية، فإن أحداث العام 2015 ستبدو أشبه بجلدة خفيفة. هذه المرة ستكون هناك ضربة منظمة على جميع الجبهات». وأضاف قوله «أن على أردوغان ألا ينسى أن هناك على أراضى سوريا، وفى عمق القوات السورية، نقاط مراقبة تركية مطوقة وفيها مئات الجنود، وهؤلاء سيصبحون رهائن ولن يحتفى بهم السوريون»، فضلا عن تحذيره لأردوغان بانه « يجب ألا يتوقع أن تقدّم الولايات المتحدة أو غيرها من دول الناتو أى مساعدة عسكرية فعالة إليه».

وبينما أكد دميترى بيسكوف أن موسكو وأنقرة تجريان اتصالات وثيقة جدا، وعلى مختلف المستويات، فى ضوء الأوضاع المتوترة إلى حد كبير فى إدلب ، كشفت مصادر وزارة الدفاع الروسية عن حشود تركية مسلحة يدفع بها الجانب التركى الى منطقة خفض التصعيد تزيد على العدد المتفق حوله لدعم نقاط المراقبة فى المنطقة. ونقلت وكالة أنباء «تاس» عن مصادر دبلوماسية رفيعة المستوى تصريحاتها حول «أن موسكو لا يمكنها الوقوف مكتوفة اليدين أمام ما يحدث فى «مرجل إدلب»، حيث يقصف المسلحون يوميا مواقع الجيش السوري». ومن جانبه أعلن بيوتر إيليتشوف مدير قسم المنظمات الدولية بالخارجية الروسية، مسألة تأثير الأحداث الأخيرة فى إدلب على العلاقات الروسية التركية.ونقلت وكالة أنباء «تاس» عن إيليتشوف تصريحاته حول «أن احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها، كانت من ضمن بنود المذكرة حول إنشاء منطقة خفض التصعيد فى إدلب، كما نصت المذكرة أيضا على أن الاتفاقية حول منطقة إدلب مؤقتة». وأضاف المسئول الروسى «ان المذكرة تضمنت  أيضا تفاصيل بالغة الأهمية، تعهدت تركيا بموجبها بفصل المعارضة المعتدلة عن الإرهابيين وإقامة منطقة منزوعة السلاح وحرية المرور عبر طريقي M4 وM5 الدوليين، لكن لم يتم تنفيذ شيء من ذلك خلال الأشهر الثمانية عشرة الماضية». وبينما أشار إلى تفهم الجانب الروسى للصعاب التى يواجهها الاتراك ، أكد ايليتشوف أن بلاده لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدى تجاه ما يحدث فى منطقة إدلب، مشيرا إلى تعرض  مواقع القوات السورية ومواقع روسيا، ومنها قاعدة حميميم الجوية، للقصف اليومى وهجمات الطائرات دون طيار التى تم الكشف عن تدمير اثنتين منها قرب قاعدة حميميم الروسية الجوية.

ومن جانبه اتهم سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية تركيا بعدم الاضطلاع بما التزمت به فى إدلب السورية بموجب ما جرى التوصل إليه من اتفاقيات حول مناطق خفض التصعيد فى سوريا. وقال لافروف فى حوار مع «روسيسكايا جازيتا» (الصحيفة الروسية) «ان الجانب التركى وللأسف لم يستطع الالتزام بعدد جوهرى من الالتزامات التى كانت مدعوة الى حل مشكلة إدلب من حيث الجوهر، وأول هذه الالتزامات تنفيذ الفصل بين الإرهابيين والفصائل المسلحة للمعارضة المتعاونة مع الأتراك والتى كانت على استعداد للتعاون مع الحكومة السورية فى إطار العملية السياسية». وأضاف وزير الخارجية الروسية التزاما آخر يتعلق بمراعاة «نظام التهدئة» فى المنطقة، فى الوقت نفسه الذى كشف فيه عن انه فى اتصال دائم مع نظيره التركى مولود شاويش أوغلو من أجل تسوية الموقف الراهن. وأشارت الصحف الروسية إلى ان تركيا قامت بتصفية 76 من الجنود السوريين ردا على قصف مواقع جنودها فى ادلب السورية، بينما فقدت ثمانية من جنودها. وكشفت البيانات الصادرة عن المركز الروسى للمصالحة فى سوريا عن أن الجنود الأتراك وقعوا فى مرمى نيران القوات الحكومية السورية التى كانت تستهدف المقاتلين «الإرهابيين». وكان الرئيس التركى رجب أردوغان أعلن عن أن قواته أصابت ما لا يقل عن أربعين موقعا للجيش السورى وهو ما أسفر عن إصابة ومقتل قرابة 35 سوريا. ودعا أردوغان الجانب الروسى إلى عدم التدخل، وإن عاد ليشير الى أن أنقرة لن تقوم بتصعيد التوتر مع موسكو بسبب احتدام الموقف فى إدلب. 

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق