رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

كثير من الغضب قليل من الروح الرياضية

حال كرة القدم فى بلادنا من حال الأسواق العشوائية، كثير من الغضب قليل من الروح الرياضية، اعتراضات وقحة على التحكيم، تصريحات عنيفة من مسئولين تثير الفتن والكراهية، برامج تليفزيونية تشبه خناقات الفتوات فى روايات نجيب محفوظ، لاعبون قدامى يروون حكايات أغلبها أكاذيب وتخيلات، فتاوى كروية تنم عن جهل من أسماء كبيرة، أسعار لاعبين تفوق إمكاناتهم الفنية وإمكانات الأندية التى يلعبون لها..مدرجات خالية من الجماهير التى يفترض أن اللعب ينتصب من أجلهم..الخ.

والسبب.. تشوهات فى هياكل كرة القدم، تشوهات تعطل فلسفة الرياضة وأهدافها، وتخنقها من القمة إلى القاع، ولن ينصلح الحال دون أن تنصلح الهياكل ويعاد تأسيسها على قواعد عمل بها المحترفون حتى نهضت كرة القدم وصارت ترنيمة العالم شرقا وغربا، وإن حولها الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) فى السنوات الأخيرة إلى تجارة متوحشة على حساب إنسانية اللاعبين الذين صاروا مثل خيول السباق لا تتوقف عن اللعب، وتحلب منها مليارات الدولارات كل عام، وبات الدفاع عن هذه المكاسب التى قاربت على تجاوز مكاسب الجريمة المنظمة مسألة حياة أو موت، ويكفى أن نعرف أن قيمة انتقالات اللاعبين فى صيف 2019 فقط زادت على سبعة مليارات دولار، وتعدت القيمة التسويقية للأندية الستة الكبرى فى إنجلترا 20 مليار دولار، ويتراوح دخل المباراة الواحدة من بيع التذاكر ما بين  9 ملايين إلى 120 مليون دولار، ناهيك عن الإعلانات وحقوق البث التليفزيوني، وتدفع الأندية - كل على حدة - رواتب سنوية للاعبيها ما بين  50 إلى 220 مليون دولار، حسب قيمة النادى وشهرته وليس حسب البطولات التى يحرزها، فرواتب لاعبى مانشستر يونيتد مازالت هى الأعلي، بالرغم من وضعه المتأخر فى الدورى الإنجليزى فى السنوات الخمس الأخيرة. هذا مجرد نموذج من دولة واحدة، قس عليها إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وأمريكا واليابان وأكثر من مائتى دولة أخري، وللعلم عدد أعضاء الفيفا أكثر من عدد الأعضاء فى الأمم المتحدة بـ18 دولة، كما لو أن حاجة الشعوب للعب أكثر من حاجتهم للتعاون.

نعود إلى بلادنا، والمدهش أننا نستهلك أمهر لاعبينا ونستنزف طاقاتهم منذ سنوات طويلة، بسبب سوء التنظيم وتدهور الإدارة العلمية فى تنظيم مسابقات الدورى الممتاز، فتتلاحم المواسم دون أن يحصلوا على فترة راحة معقولة فى نهاية كل موسم، هى بالنسبة لهم مثل إعادة شحن بطاريات أوشكت على النفاد، فتكثر إصاباتهم العضلية الخطيرة ونفقدهم فى أوقات مهمة.

 وكما قلت سوء التنظيم جزء من تشوهات هيكلية، أولها راسخ فى كيان اتحاد كرة القدم، وبالرغم من قدم الاتحاد المصرى البالغ من العمر 99 عاما، إلا أنه لم يفلح أن يتحول إلى مؤسسة تعمل وفق مبادئ عامة مهما تكن أسماء أعضاء مجلس إدارته، وظل اتحاد أفراد ماهرين فى ألاعيب انتخابية أكثر من مهارتهم فى خدمة كرة القدم المصرية، بل أحيانا أو غالبا يعلون من مصالحهم الشخصية قبل مصلحة كرة القدم، ومن يراجع مشكلات الكرة المصرية وأزماتها  عبر تاريخها كله سيجدها هى هى دون أى تقدم يذكر فى حلها، كسوء تنظيم المسابقة وسوء الأداء العام للحكام، عدم العدالة بين الأندية، الخوف والفزع من الأندية ذات الصوت العالى على حساب الحق والعدل، والأخطر هو سوء إعداد الفرق القومية للمسابقات الدولية قاريا وعالميا، والمرات التى فازت بها مصر ببطولات قارية لم تكن ترجع إلى سياسيات ونظم صارمة بقدر ما ترجع لقدرات أفراد كانوا مخلصين لعملهم، مثل الجنرال محمود الجوهرى والمعلم حسن شحاتة، وتوافر لاعبين ملتزمين تحت قيادة هيأت لهم بيئة جيدة للعمل، وقد كشفت منافسات التأهل لنهائيات كأس العالم، أهم حدث رياضى على كوكب الأرض، ضآلة العمل المؤسسي، فلم تتأهل مصر سوى ثلاث مرات من 21 مرة فى 98 عاما، نحن نتحدث عن التأهل فقط، والذى تجاوزتنا فيه دول لعبت كرة القدم بعدنا بعشرات السنين، ونحن الفريق الوحيد بين الكبار عربيا وإفريقيا الذى لم يفز فى أى مباراة فى المرات الثلاث، بالرغم من المواهب الفردية العالية لدينا.

وسبب التشوه الكبير فى اتحاد الكرة هو جمعيته العمومية التى تختار مجلس الإدارة، وأعضاؤها سمك لبن  تمر هندي، والغالبية فيها لأندية ومراكز شباب هواة، فكيف لها أن تنتخب مجلس إدارة يفترض أنه يدير  أندية محترفة، هل يعقل أن يحدد الهواة مصائر المحترفين؟، والمدهش أن أى قرار يخص كرة القدم فى إصلاح هذا الخلل لابد من الرجوع إلى تلك الجمعية المشوهة، وبالطبع يستحيل أن يقبل الهواة وهم كثر الخروج من الجنة.

والحل أن يعد مجلس الإدارة المعين ـ والفرصة متاحة أمامه ـ لائحة احتراف للأندية، من تنطبق عليه بنودها أهلا وسهلا به فى الجمعية العمومية، ومن لا ينطبق عليه اللائحة، فليدخل فى لجنة فرعية للهواة، لها انتخاباتها ورئاستها الخاصة.

التشوه الثانى فى لجنة الحكام، ولا أعرف حكاما يعملون فى بيئة معادية رافضة مثل حكام الملاعب المصرية، صحيح أن بعض الحكام وربما كثير من الحكام يتحملون قدرا من المسئولية المباشرة، بسبب ظهور انتماءاتهم الكروية أو مشاعرهم الشخصية فى قراراتهم ظهورا فجا، مما أحدث خلطا بين الأخطاء العفوية غير المقصودة مهما تكن تأثيراتها، وبين الأخطاء المتعمدة التى لا لبس فيها ولا يجوز التحجج بعدم رؤيتها، ففقدت منظومة التحكيم الثقة المطلوبة، مع أن أخطاءها لا تزيد كثيرا على أخطاء الحكام الإنجليز فى أهم دورى فى العالم، حتى فى وجود الفار.

ودون إصلاح منظومة التحكيم إصلاحا جذريا، فأى تنظيم هو دخان فى الهواء، وأول خطوة هو إحكام قبضة الحكام على الملاعب ضد الاعتراضات الفجة والمهينة من اللاعبين والأجهزة الفنية، وان تكون قراراتهم صارمة تقطع دابر هذه المشاهد المخزية التى لا مثيل لها فى ملاعب العالم، وثانى خطوة هو إعداد برامج طويلة المدى ومتوسطة المدى لتجهيز كتيبة من الحكام الجدد وتدريبهم داخليا وخارجيا لفترات متعاقبة دون توقف، وبتر أى حكم يشتم منه أى انحيازات، حتى لو حدث بعض الظلم فى الأول لتنضبط الفوضي.


لمزيد من مقالات نبيـل عمـر

رابط دائم: