رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الجواهرجى والمخطوطات ولجان التحكيم

د. محمود الضبع

حين يتولى الجواهرجى أمر تقييم المخطوطات، فحتما سينحرف عن المسار، لأن معارفه مهما بلغت، فلن تستطيع الإحاطة علما بدقائق المخطوط ومدى أهميته قياسا لمجاله، ولا بمكانته قياسا للنسخ الأخرى منه عبر العالم، ولا بقيمته غير المكتوبة وغير المقروءة وغير الظاهرة… إلخ، بل سيمكن خداعه فى كثير من تفاصيل المخطوط (على الرغم من إتقان صنعته التى تخفى على غير المتخصص؛ فتبدى له قيمة ظاهرية خادعة).

.................................................

لكن حين يتولى هذا الجواهرجى أمر تقييم حجر كريم (لؤلؤ، ياقوت، ألماس..)، فإنه سيستطيع القطع برأى سليم، حتى لو احتاج للاستعانة بأهل الخبرة من تخصصه، لأنه يعرف حينها بمن سيستعين لاستكمال خبرة الحكم.

هكذا الأمر فى شأن تحكيم أى شيء فى حياتنا، بدءا من استشارة أصدقائنا فى أمر صغير، وانتهاء بتحكيم رسالة علمية، أو بحث، أو مسابقة أو جائزة أدبية، أو فنية.

فهل مجرد قراءة عدد من الروايات -مثلا- تمنح الحق فى تحكيم الأعمال الروائية والحكم بإجازتها من عدمه؟

ألا ينبغى أن يكون لعضو التحكيم إنتاج يدلل على إلمامه بالنوع الأدبي؟ مقالات نقدية، أو بحوث، أو دراسات، أو كتب، أو أى علامة تعطيه التصريح لدخول هذا الحقل والإفتاء فيه.

وهل مجرد المشاركة مناقشا فى ندوة أو مؤتمر حول كتاب أو مؤلف، تجعل المناقش ناقدا وتعطيه التصريح بأن يكون محكما على كتب نقدية سيطول به المقام كثيرا - لو استطاع- كتابة صفحات من فصل فيها، دون أن ينقلها نصا من عشرات المصادر والمقالات؟

فكم ممن احترف انتقاد أعمال الآخرين سلبا، وتشدق بأنه لو جلس على مكتبه شهرا لأنجز رسائل ماجستير ودكتوراه وكتبا ودراسات، لكنه واقعيا فشل فى أن يحصل على السنة التمهيدية للماجستير بعد عدة محاولات فى عدة جامعات.

وهل يجوز -مثلا- أن نجد أستاذا فى اللغة يتولى تحكيم بحوث فى المسرح والرواية والنقد الحديث؟، وآخر متخصصا فى تاريخ الإغريق يتولى تحكيم بحوث فى جغرافيا السكان والتاريخ الحديث والحضارة ؟، وثالثا تخصصه الأدب الإنجليزى القديم يتولى تحكيم بحوث ودراسات فى اللغة العربية والآداب المقارنة ؟، ورابعا تخصصه الأدب الجاهلى يتولى تحكيم بحوث فى أدب الطفل والأدب الفرنسى ونظرية الأدب؟، وخامسا فى الاجتماع السياسى يحكم بحوثا فى التاريخ والآداب والفنون؟.

وهل يجوز أن يكون للأدنى حق الحكم على من هو أعلى فى الدرجة العلمية ؟! … وهو الأمر الذى ما تزال الجامعة فقط تنص عليه فى قوانينها، إذ عند مناقشة شأن أستاذ (حتى لو كان موافقة على مشاركته فى مؤتمر) تخلو القاعة من الأساتذة المساعدين والمدرسين…

فكيف يقبل هؤلاء الأساتذة أنفسهم -وهم يعرفون ذلك- أن يخالفوا ضمائرهم خارج الجامعة، فيجعلوا مدرسين (حاصلين على الدكتوراه حديثا) يتولون أمر تحكيم أساتذة لهم مؤلفات وكتب ودراسات وأبحاث أفنوا فيها حياتهم.

وكيف يُسمح لمن لم يحصل على درجة علمية بعد تخرجه، ولم ينجز دراسة ولا كتابا أن يتولى تحكيم أستاذٍ، أو مؤلف، أو أديب، أو فنانٍ له ما له من إنجازات تدل على جهوده فى التعليم والتعلم والبحث والاستقصاء، ومهما كان حق الاختلاف معه فى وجهات النظر أو التوجه العلمي.

أما عن طبيعة التحكيم الداخلي، وعلى نحو عام، فقد عرفنا وتعلمنا أن المعيار هو المقياس الثابت المتفق عليه اتفاقا عاما وعلى نحو علمي، وأنه يجب أن تكون له مؤشرات تدلل على مدى الالتزام به وتطبيقه دون أى تدخل خارجى أو داخلى (يرجى مراجعة علوم المناهج والمقاييس والمعايير).

إلا أننا فى الوضع الراهن، نجد مفهوم المعيار لدينا يختلف تماما، فيتحول إلى مجموعة من الشروط المرنة القابلة لتطويعها حسب الاحتياج، وحسب مصالح لجان التحكيم، وحسب رغبة صاحب الصوت الأعلي، وأحيانا دون احتكام لأى معايير، وإنما للذوق الشخصى الخاص.

والأعجب من ذلك دائما هو المبررات التى يمكن أن تسمعها من المحكمين لتبرير اختياراتهم، إذ لا يكشفون عن المعايير التى احتكموا إليها، ولا المؤشرات التى تقتضيها تلك المعايير هذا إذا كانت موجودة، وكانت بالفعل ترقى لمستوى المعايير علميا، وإنما ستسمع منهم كثيرا عن التقليل من شأن ما لم يتم اختياره، واتهامه بالضعف والتدني، على طريقة (الهجوم خير وسيلة للدفاع)، باعتبار ذلك غدا معيار العلمية وتحقيق الذات مؤخرا.

هذه الأمور وغيرها محيرة كثيرا فى اختيار لجان التحكيم فى بلادنا، حيث نرى لها صورا ما سمعنا بها ولا ألفيناها لدى آبائنا الأولين، ولا حتى عند الشعوب التى ابتلاها الله فلم ينزل عليها من عنده الدين..

فهل ما يزال لدينا السؤال حول لماذا يحدث ما يحدث؟ ولماذا تهاجر العقول؟ ولماذا تتراجع الفنون والآداب والمعارف والدراسات والبحوث؟ ولماذا لم تعد الثقافة العربية منتجة وفاعلة وقادرة على المنافسة؟!

الأسباب كثيرة ولا شك، غير أن هذا أحدها، لأنه أحد بوابات تفريغ هذه الأمة من المبدعين والمفكرين والباحثين ممن كان يمكن استثمارهم فى زمن تحقق فيه اقتصاديات المعرفة (القائمة على الفنون والآداب والبحوث العلمية) مكاسب، أكثر مما حققته كل أنواع الاقتصاد التى عرفتها البشرية من قبل.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق