بعد اشتباكات عنيفة، سيطر الجيش السوري، مطلع الشهر الحالي، على بلدة آفس فى ريف إدلب ليكون بذلك قد أكمل الحصار على مدينة سراقب الإستراتيجية. وتمكن من تطويق أربع نقاط مراقبة نشرتها تركيا حول المدينة لمنع سقوطها بيد القوات السورية، التى تمركزت فعليا فى النيرب غرب مدينة سراقب ومرديخ جنوبها وآفس عند المدخل الشمالى لها وبلدة الشيخ منصور من جهة الشرق. وتتمثل أهمية السيطرة على سراقب من طرف الجيش السورى فى كونها ستمكن من فتح الطرق الدولية بين حلب ودمشق، وحلب واللاذقية، مما يتوقع ان يؤدى الى انهيار كبير فى صفوف المجموعات المسلحة فى إدلب.
مقابل هذا التقدم، تحدث بيان للجيش السورى عن دخول رتل عسكرى تركى يضم عددا من الآليات والمدرعات إلى الأراضى السورية، وانتشر على خط بلدات بنش، معرة مصرين، تفتناز، بهدف حماية الارهابيين وعلى رأسها جبهة النصرة، وعرقلة تقدم الجيش السوري، بحسب البيان. واعتبر مصدر مسئول بوزارة الخارجية السورية أن قوات تركية اخترقت الحدود السورية تزامنا وتحت غطاء العدوان الإسرائيلي.
والحقيقة ان علاقة تركيا بجبهة النصرة ليست جديدة ولا خفية. وكما أكد ذلك بشار الجعفرى مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، خلال جلسة مجلس الأمن حول سوريا، الشهر الماضي: إن اجتماعا جرى أخيرا بين ضباط أتراك ومجموعات مسلحة تقاتل على جبهات ريف إدلب وريف حلب، ومن بين هذه المجموعات أعضاء من جبهة النصرة. وكشف الجعفرى عن معلومات سرية تؤكد أن الاجتماع عقد فى مطار تفتناز العسكرى بريف إدلب الشمالي، لافتا إلى أن هجوما نفذته جبهة النصرة فى نفس اليوم على مقار الجيش السورى فى بلدة النيرب بريف إدلب الشرقي، بمشاركة وحدات من الجيش التركى جنبا إلى جنب مع مقاتلى جبهة النصرة. هذه التصريحات تؤكد ما كشفت عنه مجموعة من التقارير الاوروبية حول علاقة أنقرة بجماعات إرهابية فى سوريا. فهذه الجماعات تشكل سلاح تركيا سواء فى سوريا وليبيا أيضا ـ وهى من تدير معاركها بالوكالة لتحقيق اهداف تركيا فى المنطقة، مقابل دعم مادى ولوجستي. لكن يبدو ان القوات السورية قد حسمت أمرها مع حليفها الروسى بتنظيف إدلب وريفها من جبهة النصرة وكبح النفوذ التركي، على الرغم من كون محافظة إدلب والأجزاء المحاذية لها مشمولة باتفاق روسى - تركى يعود إلى سبتمبر 2018، معروف باسم سوتشي. وقد نص هذا الاتفاق على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مواقع سيطرة قوات النظام والفصائل، وعلى فتح طريقين دوليين، تسيطر الفصائل على أجزاء منهما، يمران عبر إدلب ويربطان محافظات عدة ببعضها.
تركيا لم تلتزم بما تعهدت به فى هذا الاتفاق، خاصة فيما يتعلق بنزع الأسلحة الثقيلة للمجموعات المسلحة فى المنطقة العازلة، وهى تحاول اليوم تكريس الأمر الواقع بمنع الجيش السورى من استعادة أراضيه بذريعة خشيتها من نزوح مئات الآلاف إلى حدودها. وقد منح أردوغان مهلة للجيش السورى للانسحاب من المناطق التى يسيطر عليها فى ريف إدلب حتى نهاية فبراير الحالي. ورغم لغة التهديد هذه، الا ان الرئيس التركى لن يتورط فى صدام مباشر مع الجيش السورى - رغم ما عرضته أمريكا من تقديم مساعدات لأنقرة وتلويحها بفرض عقوبات على دمشق ـ وهو يعلم جيدا أن الطائرات الروسية هى التى تسيطر على الأجواء السورية. ما يعنى ان تهديداته لن تجدى نفعا، وانه بالأحرى يحتاج الى تسوية سياسية وليس مواجهة عسكرية مباشرة سيخرج منها منهزما، مما يقوض دوره فى سوريا، ويهز صورته أمام حلفائه من الجماعات الارهابية. أما الجيش السوري، فهو مصر على استمراره فى تقدمه الى إدلب، الذى كرر بشار الأسد، فى أكثر من مناسبة عزمه استعادتها، معتبرا أن: معركة إدلب هى الأساس لحسم الفوضى والإرهاب فى كل مناطق سوريا. وتكتسب إدلب أهميتها من كونها المعقل الأخير لمعارضى الأسد، كما أنها مثلت على مدى سنوات الأزمة السورية، مركزا للكثير من المجموعات الارهابية، التى غيرت تسمياتها وتبعياتها مع اختلاف توازن القوى الدولية أو التصريحات الأممية. ويبلغ عدد مقاتلى الفصائل المعارضة فى إدلب نحو ثلاثين ألفا، بحسب المرصد السورى لحقوق الإنسان، وعشرين ألفا من هيئة تحرير الشام والفصائل الإرهابية الاخري.
لا شك ان الجيش السورى يقاتل على أرضه ذات السيادة ضد مسلحين تم تصنيفهم أمميا كإرهابيين. وتصميم الرئيس السورى على استعادة السيطرة على جميع الأراضى السورية، وتوغله فى إدلب هو تحول استراتيجى ميدانى يمكن اعتباره الأهم منذ بداية الصراع قبل نحو تسع سنوات، وهو قد يفضى لحسم المعركة، وإنهاء الحرب الأهلية التى حولت سوريا الى أشلاء، تحتاج لسنوات عديدة لترميمها واعادة إعمارها.
لمزيد من مقالات وفاء صندى رابط دائم: