كثير من السياسات العامة القديمة لا تصلح حاليا لإصلاح وإعادة دوران عجلة الإنتاج، وكان البحث عن صناعة بديلة دون عمال كالصناعات الصغيرة اتجاها استحدث مع الانفتاح الاقتصادى بعد نصر أكتوبر 1973 المجيد، تجنبا للصناعات كثيفة العمالة لما كانت تعانيه من احتجاجات وإضرابات وزرع إيديولوجيات متشددة. ومن ابرز مظاهر تراجع الصناعات الثقيلة ظهور «حزام الصدأ» على جانبى خط مترو حلوان ابتداء من الشركة العامة للبطاريات وانتهاء بالنصر للسيارات، ومرورا بالحديد والصلب وغيرها. والعجيب أن أبرز مشكلات معظم هذه الشركات المتعثرة الديون والمغالاة فى أسعار الطاقة وهو فى إمكان الحكومة علاجه سواء بتمويل البنوك كما يجرى لبعضها حاليا أو بتوسيع قاعدة الملكية أو حتى فك الخناق عن رقبة إدارة الشركات لتدبر حالها، أما التناقض الكاشف فهو أن المشكلة ليست عجزا فى الطاقة بل التعجيز بالطاقة مما تتبناه شركات الكهرباء، ويعارضه حاليا بعض نواب مجلس النواب ويطالبون بالطاقة لإعادة القدرة التنافسية للصناعة المصرية الثقيلة والخفيفة، ومما يؤسف له أن شركات الكهرباء تناقض نفسها بإمدادها المبانى المبنية بالمخالفة على امتداد رقعة مصر الزراعية بالكهرباء مقابل مبلغ ثابت شهريا دون مراعاة لجهود الدولة فى هذا الاتجاه، أليس هذا تشجيعا وترسيخا للاعتداء على الرقعة الزراعية بالمحافظات تحت مبرر تحقيق الدخل؟ أليس هذا دخلا قصير المدى مقابل خسارة جسيمة الأثر؟ إن سياسات الطاقة غير المدروسة أضاعت على الدولة عشرات المليارات من عوائد الإنتاج وعشرات المليارات من مقومات الإحلال والتجديد سنويا لهذه الصناعات، وقلصت خريطة مصر الصناعية لمدة 40 سنة مضت، هذا بجانب وجود عشرات آلاف من العاطلين نتيجة الإفلاس ومثلهم ضياع فرص عمل جديدة للشباب مما يزيد معدل البطالة سنويا، وهذا كله بسبب الجمود والتمسك بسياسات، انها سياسات غير متسقة مع المنظومة العامة لنهوض الدولة حاليا، وتحتاج للضرورة شاشة ضخمة ترسم بانوراما رقمية لشبكة التقاطعات والتناقضات.
د. هواف عبدالحكيم
أستاذ بحاسبات جامعة حلوان
رابط دائم: