رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيسى فى العمل برنامج كمبيوتر

تخرج المهندس عارف فى كلية الحاسبات والهندسة.. ومثله مثل كثير من زملائه انساق وراء الصخب الاعلامى وقرر التخصص فى مجال الذكاء الاصطناعى. وبالفعل التحق عارف بإحدى الشركات التى تعمل فى هذا المجال وتوظفها فى التطبيقات الخاصة بالنقل كالتاكسى عند الطلب وتوصيل الطلبات وغيرها... بعد عدة سنوات اكتشف الخبراء طريقة فعالة تقوم بها البرمجيات الذكية بتطوير نفسها بنفسها دون الحاجة لكثير من المبرمجين.. ومن أجل زيادة الأرباح قررت الشركة التى يعمل بها عارف تسريح عدد كبير من المبرمجين واستبدالهم بتلك البرمجيات الذكية. وللأسف كان عارف واحدا من هؤلاء.. ظل عارف فترة طويلة يبحث عن عمل، وبعد عناء لم يجد إلا وظيفة سائق فى إحدى شركات التاكسى الذكية التى تربط السائق بالمستهلك عن طريق برامج المحمول، وما يدفع للأسى أن تلك الشركة كانت واحدة من الشركات التى استعملت التكنولوجيا التى عمل عارف وزملاؤه على تطويرها... ومن حين لآخريركن عارف سيارته ويدخل فى حالة من هستيريا الضحك الممزوجة بالبكاء..

لم تنته القصة عند هذا الحد فبعد عدة أشهر تمكنت البرمجيات الذكية من تطوير نفسها أكثر وإنتاج برامج تدعم عمل السيارة بلا سائق.. وعندما فقد عارف عمله للمرة الثانية اختفى ولم يستدل عليه للآن.. هذه القصة جزء كبير منها أصبح واقعا نعيشه يوميا والجزء الآخر سوف يتحقق قريبا..

تعمل برامج الذكاء الاصطناعى على جعل الآلة تحاكى قدرات الإنسان فى التفكير والتعرف على الأشياء وتقييم المواقف المختلفة بناء على خبرات تتعلمها الآلة مع الوقت تماما كما يفعل الطفل الصغير أو طالب الجامعة.. لقد تطورت قدرات هذه البرامج بصورة كبيرة لسببين أساسيين: الأول هو التطور الهائل فى قدرات أجهزة الحاسب والتخزين، فجهاز المحمول فى يد كل منا الآن يعتبر سوبر كمبيوتر مقارنة بالجيل الأول لأجهزة الحاسوب. والثانى هو توافر البيانات الضخمة المختلفة، فعملية التصوير على سبيل المثال أصبحت رخيصة جدا وفى يد كل شخص من خلال الهاتف الجوال وهو ما ينتج آلاف الصور والفيديوهات يوميا ... تتعلم الآلة من هذه الصور والفيديوهات الملامح التى تميزالشخص عن غيره من البشر وتتعلم من الفيديو الذى يصوره الشخص لنفسه كيف يتكلم وتتعلم من الصور التى يعرضها خلال حياته كيف تتغير ملامحه مع الزمن... هذه البرامج الذكية ترصد أيضا حوارات الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعى وتتعلم كيف يحادث البشر بعضهم بعضا، وكيف يتجادلون فى القضايا المختلفة .. وعندما تربط هذه البرامج الذكية تلك الخبرات بمعلومات علمية فإنها تصبح أفضل بروفيسور وأفضل طبيب وحتى أفضل مدرس خصوصى..

إن السجال بين الانسان والآلة هو سجال قديم بدأ منذ زمن الثورة الصناعية.. حين تمكنت التكنولوجيا من استبدال القوة العضلية للإنسان بقوة الآلة. فالحقل الذى كان يعمل بمئات الفلاحين لم يعد يحتاج إلا لحفنة من البشر كل مهمتهم التحكم بالآلة.. سفن الحاويات الضخمة التى تجوب البحار لا يعمل بها الا بضعة أشخاص.. مصانع السيارات التى تنتج مئات آلاف السيارات لا يعمل بها إلا المئات..

المدافعون عن هذا الاندفاع نحو الميكنة حجتهم أن التكنولوجيا التى تلغى وظائف معينة تقوم بخلق وظائف جديدة فى قطاعات أخرى مثل القطاعات الهندسية وقطاعات الخدمات.. وأن على الانسان أن يطور نفسه دائما ليتواكب مع الجديد.. بالطبع يبدو هذا الكلام منطقيا، لكن فى الوقت الحالى يوجد العديد من التحديات: أولها هو معدل استعمال وتبنى التكنولوجيا المتزايد فى السرعة مع التنامى الجنونى لعدد سكان العالم.. فعلى سبيل المثال لقد استغرق الانسان أكثر من مائة عام حتى انتشرت تكنولوجيا السيارات ذات المحرك الداخلى.. تعلم الإنسان خلالها التخلى عن استعمال الدواب واستبدالها بالمركبات الآلية.. الآن فى العصر الحديث لا يستغرق الأمر إلا عدة سنوات أو حتى عدة أشهر حتى تنتشر التكنولوجيا الحديثة فتقتل ما قبلها من تقنيات..

ربما يعتقد البعض أن تكنولوجيا المعلومات بشكل عام وتطبيقات الذكاء الاصطناعى بشكل خاص سوف تخلق فرص عمل كبيرة، وأنها سوف تجعل المهندسين والمبرمجين ومقدمى الخدمة أوفر حظا من غيرهم ولا يفقدون وظائفهم، ولكن كما رأينا من قصة عارف فإن العكس هو الصحيح، وأن طباخ السم لابد أن يتذوقه... إن عدد العاملين فى تكنولوجيا صناعة المعلومات فى الوقت الحالى أقل كثيرا مما يتخيله أحد مقارنة بعدد المستهلكين.. فالشركات الضخمة والتى تضم برمجيات البحث فى الانترنت وبرمجيات الخرائط والتجوال (الجى بى اس) ومواقع الشبكات الاجتماعية لا يعمل بها إلا عدد قليل من المبرمجين وخدمة العملاء.. وفى السنوات الأخيرة ضغطت بعض الحكومات على مواقع التواصل الاجتماعى من أجل التخلص من المحتوى غير اللائق، فقامت الشركات بتعيين مجموعة من المراجعين لتنقية (لفلترة) هذا المحتوى.. وما يدعو للدهشة هو أن الشركات التى يتجاوز عدد مستخدميها رقم المليار لم توظف أكثر من بضعة آلاف..

لابد أن يتطور النظام العالمى للضرائب ويصبح ذكيا هو الآخر ليواكب التكنولوجيا الجديدة وتأثيرها على المجتمع من جميع النواحى الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وذلك لفترة انتقالية حتى نجتاز تلك الموجة التكنولوجية ويتأقلم البشر على الوضع الجديد..


لمزيد من مقالات د. محمد أبو الهدى

رابط دائم: