كان صيد السمك هو الحرفة الأساسية لمعظم سكان فلسطين، وعندما يذهب الصيادون ليبيعوه فى «أورشليم»، كانوا يدخلونها من باب يسمى «باب السمك»، وكانت هناك أيضا مدينة تسمى «بيت صيدا» أى «بيت الصيد» لأن غالبية سكانها كانوا يعملون فى مهنة صيد الأسماك، وعندما شرع «السيد المسيح» فى اختيار تلاميذه كان من بينهم بعض الصيادين، لينشروا رسالته ويدعو الناس للإيمان بها، وبعد ذلك دخلت «الرموز» إلى الفنون المسيحية.
تمتلئ جدران الكنائس فى مصر والعالم بعدد كبير من «الرموز» تثير فضول كل زائر من ديانة مختلفة، فلا يعرف معناها إلا من قرأ عنها أو درسها، ومفتاح فهم هذه الرموز أو الأيقونات القبطية، يتطلب أولا معرفة معانيها ودلالاتها حتى يصبح من السهل فهم قيمة هذه الفنون التى يعبر من خلالها الفنان عن طابعه الفكرى والروحى، مستخدما أشكالاً هندسية ونباتية وحيوانية وطبيعية بجانب رمزية الأعداد والألوان والحروف.
يحكى لنا الدكتور إسحاق عجبان عميد معهد الدراسات القبطية عن تاريخ ودلالات «الرموز» التى تتزين بها جدران الكنائس، موضحا أن السمكة من أهم وأكثر الرموز المسيحية انتشارا فى الشرق والغرب على السواء منذ بداية العصر المسيحى، وقد اتخذت السمكة كرمز للمسيحية منذ القرن الأول الميلادى، فقد عثر على رسومات للسمكة فى كهوف ومقابر المسيحيين الموجودة تحت الأرض، كما زينت جدران الكنائس المنقوشة بالفسيفساء منذ القرن الرابع الميلادى. والسمكة فى المفهوم المسيحى ترمز للسيد المسيح لأن حروف اسمها تمثل ألقاب السيد المسيح، كما ترمز أيضا للخلاص وكذلك للعماد «المعمودية»، لأن الأسماك لا تعيش إلا فى الماء، والمسيحى لا يعيش بدون «معمودية» من الماء والروح.
وترسم الأسماك مع الخبز أو مع سلة خبز للدلالة على معجزتى إشباع الجموع اللتين صنعهما المسيح، ونظرا لأن السمكة تضع الكثير من البيض، فهى رمز للرخاء والخير الوفير.
واستخدم الفنان القبطى السمكتين المتقاطعتين كرمز يؤكد به الارتباط بين الشكل الرمزى والعقيدة أى ارتباط الرمز بالمرموز إليه، فالسمكتان المتقاطعتان تكونان الحرف الأول من اسم السيد المسيح باليونانية، وتشكلان صليبا.
رموز ترتبط بنهر النيل
التمساح فى الفنون القبطية يرمز لبيئة نهر النيل وللمناظر النيلية، وكأنه رمز زخرفى مستمد من النيل، ومن بيئة النيل، ارتباطاً بالنيل العظيم. والمناظر النيلية تظهر فى الفن القبطى فى النسيج والأخشاب والأحجار المنقوشة، ويرمز أيضا لقوى الشر المحيطة بنا، التى يثيرها حولنا عدو الخير، والتى لا يمكن مقاومتها إلا بمعونة خاصة من الله. وأيضا منظر التمساح بقدراته الجسدية المتعددة، يدعونا للثقة فى قدرة الله التى تفوق الكل.
الخلود والأبدية
يستعمل الطاوس فى الفن المسيحى كرمز للخلود والأبدية والقيامة وبهاء الفردوس، وربما هذا الرمز ينبثق من جمال وألوان ريش الطاوس، وذيل الطاووس الذى يشبه المروحة يرمز للفخر والزهو، وريش ذيله يزدان بأشكال شبيهة بالعين، والتى تظهر إلى جوار بعضها البعض كأنها عيون كثيرة، ويقال عنها مملوءة عيوناً، ويرمز بها أحيانا إلى العيون التى ترى كل شيء. ويرمز بها للمعرفة الإلهية التى تحيط بكل ظواهر الأمور وبواطنها، وإلى معرفة الرعاة أو الكنيسة برعيتها وأبنائها.
الحمل.. ورعاية الضعفاء
يظهر الحمل فى أيقونات الفن القبطى بموضوعات متعددة منها: الراعى الصالح، وخروف الفصح، والخروف الضال، وبصحبة الرعاة فى أيقونات الميلاد، وفى بعض أيقونات العذراء مريم مع الطفل يسوع، ويوحنا المعمدان، ورعاية الحملان والاهتمام بها وتربيتها، ترمز للرعاية الروحية. فالسيد المسيح نفسه عندما دعا بطرس للخدمة مرة أخرى بعد قيامته استخدم ثلاث مرات تعبيرات «ارع خرافى» «ارع غنمى». وقطيع الحملان الذى يتبع الراعى هو مثال لتبعية المسيح، وأيقونة المسيح وهو يحمل حملاً أو حملين، ترمز للراعى الصالح.
وعندما يصور الراعى الصالح يحمل فوق كتفيه الحمل، فهو بذلك يرمز إلى رعاية واهتمام المسيح بالضعفاء، كما أن علاقة الراعى بخرافه هى علاقة وطيدة يتحمل فيها الراعى مسئوليته عن أغنامه، حيث إنه يبذل ذاته من أجلهم، وعادة يمسك الراعى بعصا طويلة لقيادة الغنم وجمعها معاً والدفاع عنها، وعصا الرعاية ترمز للحماية والحراسة.
جسم ميت يخرج منه كائن حي
يعتبر بيض النعام المفرغ مناسباً للأعمال واللوحات الفنية، حيث يقوم المبدعون والفنانون بوضع لمساتهم وبصماتهم عليه من رسم أو نحت، ويساعد على ذلك الحجم الكبير لبيضة النعامة، ومتانتها وسمك قشرتها، وملمسها، ولونها الذى يقترب من اللون البيج.
وبيضة النعام لها قيمة فنية كبيرة فى الكثير من العصور، ففى العصر الفرعونى كانت تستخدم كإناء ملكى للشرب، وفى العصر القبطى تعلق فى الكنائس أمام حامل الأيقونات. وفى العصر الإسلامى استخدمت بيضة النعام كأوان، واستخدمت فى الزخرفة الإسلامية، وتهدى إلى الأزواج كرمز لحياة مديدة وذرية صالحة، وللأصدقاء كرمز للوفاء والاحترام للآخر.
والبيضة نفسها ترمز للقيامة فهى جسم ميت يخرج منها كائن حى، ومن هنا استخدمت الكنيسة بيضة النعام لتكون وسيلة إيضاح عن قيامة السيد المسيح فى الكنيسة أمام كل الحاضرين، وصارت البيضة رمزاً واقعياً من الطبيعة لبزوغ الحياة من الموت، وللقيامة من القبر المغلق.
شجرة كثيرة البركات
يستدل من البرديات والآثار الفرعونية، أن المصريين القدماء استخدموا الزيوت فى الكثير من نواحى الحياة، وأن زيت الزيتون كان أحدها، وزراعة أشجار الزيتون قد بدأت فى مصر قبل حوالى أربعة آلاف سنة خلال حكم الأسرة الثامنة عشرة، وبخاصة فى منطقة الشريط الساحلى الممتد من الإسكندرية حتى الفيوم، وقد وجدت رسوم لأشجار الزيتون منقوشة على جدران بعض المقابر، كما عثر علماء الآثار على إكليل جنائزى مصنوع مِن أغصان الزيتون فى مقبرة «توت عنخ آمون».
وفى الفن القبطى تظهر أغصان الزيتون فى الكثير من الأيقونات منها: نوح البار فى الفلك والحمامة تأتى إليه بغصن الزيتون، ودخول المسيح أورشليم والجموع تمسك بأغصان الزيتون وسعف النخيل، وبشارة الملاك للعذراء مريم وهو يمسك فى يده بغصن زيتون.
وتستخدم أغصان الزيتون فى الفنون المسيحية مع رموز أخرى مركبة: مثل الصليب والحمامة وسعف النخيل وقوس قزح والمونوغرام والملائكة، وقد اكتشفت فى سراديب الموتى «الكتاكومب» فى روما نقوش تعود للقرون الأولى للمسيحية من بينها أشكال للحمامة وهى تحمل غصن الزيتون.
وفى العصر الحديث تستخدم أغصان الزيتون فى أعلام العديد من الدول والهيئات الدولية ومنها علم هيئة الأمم المتحدة، وعلم جامعة الدول العربية، وعلم دولة قبرص، ودولة اريتريا، فهى شجرة كثيرة البركات ترمز للسلام والأمل والرجاء، والصمود والانتصار والقدرة على الاحتمال.
رابط دائم: