-
المزارعون: نعانى عشوائية الإجراءات والمغالاة فى التسعير.. ونثمن تحرك الأجهزة التنفيذية
-
رئيس لجنة الإدارة المحلية بالنواب : لدينا 281 ألف طلب ..والحالات الفعلية تقارب المليون والعائد 8 مليارات جنيه
-
د.محمد الخشن : استصلاح الأرض يحتاج إلى صبر أيوب ومال قارون والتسعير طارد للاستثمار
-
رئيس الجمعية العامة للإصلاح الزراعى : نظام حق الانتفاع ضرورة لمنع التسقيع
ربما لا يعلم الكثيرون ان عمر ملف تقنين أراضى وضع اليد تجاوز السبعين عاما .. ذلك الملف الذى استعصى حله على عشرات الحكومات ..بل وتسبب فى دخول السجن لعدد من الوزراء وكبار المسئولين وعدد غير قليل من رجال الاعمال بتهمة إهدار المال العام.
هذه المرة تحركت الدولة بكل أجهزتها لوضع حد لهذا الملف بدعم قوى من القيادة السياسية ورغم وجود لجنة عليا لاسترداد اراضى الدولة ..وبرغم منح كل المحافظين سلطة التقنين ومنحهم العديد من الحوافز كتخصيص جزء كبير من حصيلة التقنين للبنية الاساسية والخدمات بتلك المحافظات .. وبالرغم من كل ذلك فإن الارقام والحصيلة على ارض الواقع بعد اربع سنوات من العمل متواضعة جدا ولا تتجاوز 2٫4% من المستهدف .. بل ومخيبة للآمال ـ على حد وصف المسئولين انفسهم ــ الامر الذى اضطر مجلس النواب لعقد جلسات والمطالبة بتعديل القانون ومنح حوافز اضافية لإنهاء الملف وتحقيق المستهدف المقدر بـ 100 مليار جنيه بدلا من الواقع الذى يصل إلى قرابة 8 مليارات فقط ..
بالتقليب فى صفحات هذا الملف الشائك نجد ان الوضع يختلف من محافظة إلى اخرى ففى الوقت الذى يشهد فيه الملف نجاحا فى محافظات كالمنيا والوادى الجديد وكفر الشيخ نجد إخفاقا شديدا فى محافظات اخرى وعلى رأسها اسيوط .. والتى وصلنا منها عدد كبير من الشكاوى من المتضررين من ملف التقنين ، وكما يشير « محمد سمير» مستشار قانونى بأسيوط إلى وجود العشوائية فى الاجراءات والتسعير فقد تقدم عدد من المزارعين بطلبات تقنين مستوفاة الشروط وتم التسعير من قبل لجنة من مجلس المدينة بمبلغ 50 ألف جنيه للفدان وقبل السداد فوجئنا بقرار من رئيس المدينة برفع السعر 5 آلاف جنيه ، وقيل لنا إن رئيس المجلس كان يتفقد الارض ووضع تقييما أعلى وعندما أردنا تسديد المبلغ قيل لنا إن السكرتير العام قام بزيارة المشروع وأضاف إلى تقييم سعر الفدان 8 آلاف جنيه اخرى اى ان الفدان اصبح 63 ألف جنيه بدلا من 50 ألف جنيه رغم ان اللجنة العليا قيمت سعر الفدان بالاراضى المجاورة لنا على بعد اقل من 20 كم بمحافظة المنيا بسعر 35 ألف جنيه .. مشيرا إلى ان جميع أصحاب ملفات أسيوط يعانون من هذه المشكلة وان اللجان قدرت سعر الفدان بـ 140 ألف جنيه للفدان بدلا من 35 ألف جنيه والا سيتم الازالة وسحب الأرض وطرحها فى مزاد علنى . كما انه بالرغم من ان تعليمات لجنة استرداد الاراضى خفضت المقدمات إلى 15 % ومنحت المحافظين سلطة التقسيط إلى سبع سنوات حسب ظروف المواطن الا ان المحليات تتعنت معنا وتطلب 25 %. ويستكمل عدد من المزارعين بمنطقة مركز القوصية بجوار مركز ديروط قائلين فوجئنا بتاخر ملفاتنا منذ عدة اشهر وعندما سألنا قيل لنا ان المحافظ الجديد طلب رفع سعر التقييم للفدان إلى 150 الف جنيه بما يزيد على السعر فى المناطق المماثلة باربعة أضغاف .. وفى الاتجاه نفسه يقول « محمد . ن « مزارع من ابناء اسيوط نعانى من ابتزاز بعض صغار الموظفين الذين لا يعترفون بما جاء بالقانون 144 لسنة 2017 ولائحته التنفيذية المنظم لملف التقنين والذى سمح للجهات المالكة للاراضى الصحراوية او صاحبة الولاية بالتفويض للمحافظ بالتعامل فى ملف تقنين وضع اليد بعد موافقة القوات المسلحة بعد الحصر .ونعانى فى اسيوط من عدم وجود لجان المعاينات والبت والتسعير بالمراكز غير قانونية لان القانون ولائحته التنفيذية اشترط ان يكون عضو اللجان لا يقل مستواه الوظيفى عن مدير عام او ما يعادله لضمان عامل الخبرة فى حين ما يتم على ارض الواقع فان اعضاء تلك اللجان من صغار الموظفين وغيرهم فيقومون بوضع اسعار مغالى فيها جدا إما خوفا من تهمة الفساد او لابتزاز المواطنين للحصول على عمولة ..
فيما يتهم « حسن . ع « مزارع المحليات بعدم وجود الخبرة الكافية لديها للتقنين مدللا على ذلك بأن المحافظة عندما تريد التصرف فى اى اصل خاص لها تستعين فى التقييم والتسعير باللجنة العليا لتثمين اراضى الدولة او بهيئة الخدمات الحكومية فى حين لا تعتد و ترفض ما يصدر عن تلك الجهات من تقييم للاراضى التى يريد صغار المزارعين تقنينها ، اضف إلى ذلك ان اللجان الفرعية بالمراكز تقوم برفض بعض طلبات التقنين المقدمة إليها دون إبداء الاسباب بالرغم من ان هذا الرفض غير قانونى فليس من اختصاص اللجان الفرعية وانما من اختصاص اللجان العليا التى يرأسها المحافظ .فيما اشار « ناصر . ت « مزارع على الطريق الصحراوى إلى ان اللجان الفرعية تطلب إرفاق موافقة 7 جهات بطلب التقنين لم ينص عليها القانون كالرى والآثار والزراعة والمجتمعات العمرانية الجديدة والمناجم والمحاجر .. بالاضافة إلى طلبات مغالى فيها كتقديم 16 خريطة للارض المراد تقنينها وهو امر مرهق للغاية ويجعلنا لقمة سائغة فى ايدى موظفى هيئة المساحة او مكاتب المساحة المنتشرة فى المراكز والقرى فالملف الواحد يكلف آلاف الجنيهات .
تراكمات موروثة
هذا الوضع تمت دراسته بلجنة الادارة المحلية بمجلس النواب والتى قامت بعدة جولات بمعظم المحافظات وكما يقول النائب احمد السجينى رئيس اللجنة نحن نعمل بالتعاون مع لجان الزراعة والخطة والموازنة والامن القومى فى هذا الملف الشائك فملف تقنين اراضى وضع اليد قديم وتراكمى موروث عن حكومات سابقة وان حل هذا الملف يحتاج إلى ضمان عدم تكرار نفس الاخطاء التى وقعت فيها الحكومات السابقة وضرورة دراسة تلك الاخطاء ووضع افكار وحلول جذرية ومستدامة وليس مجرد مسكنات واللجنة وجدت ان اللائحة التنفيذية للقانون 144 الصادر عام 2017 قد فرغت القانون من مضمونه وفلسفته منذ صدورها ادت إلى حدوث مشاكل ضخمة فى التطبيق .. وبالفعل تمت احالة 5 مشروعات قوانين من المجلس احالة رسمية إلى اللجنة بخصوص بعض التعديلات بهذا التشريع ،وقد فضلنا عدم مناقشتها الا بعد قياس الاثر التشريعى للقانون 144 ، خاصة ان هذا التشريع حساس لانه يتعامل مع ملف بتراكمات منذ 70 عاما هى عمر قضية تقنين الاراضى وبالتالى لابد ان يخضع إلى قدر كبير جدا من المناقشة للوقوف على اصل المشكلة التى فشلت فيها الحكومات السابقة وهى حكومات وطنية بها قيادات وخبراء كان لديهم النوايا الحسنة الا انها لا تبنى الاوطان وانما بالارقام التى تتم على ارض الواقع وتلك الارقام تشير إلى انه منذ فتح باب التقدم لتقنين واضعى اليد حتى الآن بلغ اجمإلى الطلبات المقدمة 281 ألف طلب وان اجمإلى الطلبات التى تم التعامل معها بشكل جاد سواء من خلال سداد رسوم معاينة وفحص بلغ 169 الف طلب وان اجمإلى العقود التى صدرت حتى الان 7 آلاف عقد بما يمثل قرابة 2٫4 % خلال السنوات الاربع وهى نسبة تكاد تكون معدومة بالمقارنة بالطلبات المقدمة بالارقام التى وضعتها الحكومة فى البرنامج الذى قدمته للبرلمان واشارت فيه إلى ان الحصيلة فى المرحلة الاولى ستكون 100 مليار جنيه فى حين ان اجمإلى ما تم تحصيله فعليا نحو 8 مليارات جنيه فقط ..
بل اننا اردنا التأكد من حقيقة تلك الارقام على ارض الواقع والتقينا بمسئولى المحافظات ورؤساء المراكز فاكتشفنا ان الرقم الفعلى للتعديات وواضعى إليد سكنى وزراعى يزيد على المليون حالة على ارض الواقع .. لذلك فالتعامل معها يجب ان يتم بجدية فعلى سبيل المثال وجدنا الاف الحالات لأفراد قاموا بالبناء على مساحات اقل من 100 متر وان اللجان حددت لهم السعر بألف جنيه للمتر اى ان كل اسرة مطالبة بـ100 الف جنيه رغم ان تلك الاسر تحصل على معاش كرامة وهو بمثابة شهادة فقر لهم . وبالتالى لا تستطيع دفع هذه المبالغ . وللاسف آلاف الحالات فى كل محافظة موضوعة تحت رحمة وابتزاز بعض موظفى المحليات الفاسدين سواء فى وضع اسعار مغإلى فيها او فى الحصول على رشاوى لوقف قرارات الإزالة التى يهددونهم بها إرضاء لرؤسائهم ..
ومازال الكلام لرئيس لجنة الادارة المحلية بمجلس النواب الذى يطالب بالوصول إلى تسليم 100 ألف عقد على الاقل فى اسرع وقت وان ما وصلنا إليه من تواضع فى الاداء اما نتيجة لمحافظ مرتعش الايدى او محافظ يخاف من المساءلة فيقوم بوضع سعر مغالى فيه ، الامر الذى يستلزم ضرورة إصدار تشريع يحصن المحافظ ويتلافى اخطاء التشريع الحالى ، ولذلك عقدنا عشرات الاجتماعات على مدى عامين تحت عنوان الاثر التشريعى لهذا الملف واتفقنا مع الحكومة على وضع معايير واضحة لمقومات التقييم والتسعير وتم عقد اجتماعات غير معلنة مع الحكومة خلال الاشهر الثلاثة الماضية لحساسية الملف لدراسة التطوير المؤسسى للملف برمته ، بهدف إنهاء الازمة من جذورها بعيدا عن المسكنات وكنا حريصين فى تلك الاجتماعات على حضور ممثلى الهيئات والوزارات واللجان وتواجد القيادات المسئولة بالمحليات واتفق الجميع على قناعات محددة لمشروع قانون جديد .لابد من عقد جلسة استماع إلى ما انتهت إليه اللجنة خاصة فى مسألة التسعير ، فل ا يعقل ان يكون لدينا تعديات تزيد على المليون حالة ولم ننجز سوى 7 آلاف حالة ..
وطالب السجينى بضرورة تعديل الاسعار وتغيير مفهوم التسعير القائم على فلسفة الامكانيات والقدرة لدى المواطنين تحت عنوان « القليل فى الكثير يجمع « وذلك بوضع تسعير منطقى وحوافز وتقسيط تلك المبالغ على فترات طويلة بفائدة بسيطة وضرورة ادارة الملف بعقلية استثمارية وتراعى البعد الاجتماعى واصحاب المساحات الصغيرة ،ويجب ان يتم فتح الباب مرة اخرى لاستقبال ما لا يقل عن 500 ألف طلب جاد وبذلك يمكن انهاء الملف بشكل جذرى ..
15 جهة تسيطر
فيما يرى الدكتور جمال مظلوم استاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة ان ملف التقنين يصاحبه تاريخ طويل من المشاكل والمعاناة منذ ان كان يباع الفدان مقابل 50 جنيها لتحفيز المواطنين ، الا ان مشاكل إهدار المال العام بدأت مع تحول استخدامها من اراض زراعية إلى اسكان ناهيك عما تمثله من فقد كبير من ثروة مصر من الاراضى الزراعية . كما ان الاراضى المراد تقنينها وكانت تقع تحت ولاية وزارة الزراعة ممثلة فى هيئة التنمية الزراعية وكانت تضع ضمن شروط التقنين قيام المستثمر بشراء الاراضى من واضعى اليد وهم فى الغالب من الاعراب فيدفع المستثمر لهم ما يسمى « خلو « ثم يقوم باستصلاح الارض وزراعتها ولا تسمح له بالتقنين الا بعد الانتاج بسنوات وترسل له لجان معاينة من جديد لإثبات الجدية بعد عشرات السنين من التعامل على الارض ومن هذه اللحظة تبدأ عملية التعامل الرسمى وهى قصة تشير إلى معاناة يترك فيها المستثمر لقمة سائغة للاستنزاف من الجميع ..
واضاف الدكتور مظلوم ان هناك تشعبا وتعددا فى الجهات التى تتولى عمليات التقنين بداية بهيئة التعمير ولجنة استرداد اراضى الدولة والمحافظات فى ظل غياب قانون واضح يحكم العملية وتعدد الجهات المطلوب موافقتها للحصول على التقنين والتى وصل عددها إلى نحو 15 جهة وبات المستثمر الزراعى تحت رحمة صغار الموظفين وابتزاز بعضهم من ضعاف النفوس سواء فى المحليات او الزراعة .. مشيرا إلى ان تأخير حسم الملف يعنى ان لدينا استثمارات بمئات المليارات غير محددة المصير تكبدها الفلاحون والمستثمرون الزراعيون .
اما الدكتور محمد الخشن استاذ الاقتصاد الزراعى بالمعهد العالى للتعاون الزراعى بجامعة عين شمس فيرى ان استصلاح الاراضى كان يتم فى عهد الرئيس انور السادات تحت مبدأ « الارض لمن يزرعها « .. ثم صدر فيما بعد قانون وضع إليد وفلسفته انك لا تتملك الارض وانما تضع يدك عليها ثم تزرعها وفى النهاية تقننها وتمتلكها بشكل ميسر ، ويضيف الدكتور الخشن وهو صاحب تجربة فى الاستصلاح ان التقنين حإليا غير واضح فيما يتعلق بالتسعير والذى جعل الملف تحت رحمة « لجان التقييم « وهى فى الغالب تضع تقييمات مبالغا فيها وظالمة واصبح بالفعل استصلاح الارض يحتاج إلى صبر ايوب ومال قارون وعمر نوح ، مشيرا إلى ان نظام إعطاء الارض المستصلحة بحق الانتفاع او بالايجار لا يصلح مع صغار المزارعين للمساحات التى تقل عن 200 فدان كما اقره نظام الاصلاح الزراعى فى حدود 200 فدان للاسرة .
حق انتفاع
أما مجدى الشراكى رئيس الجمعية العامة للاصلاح الزراعى فيرى ان حصول المستثمرين الكبار على الاراضى بغرض التمليك كانت تجربة سيئة فمنهم من حصل عليها بهدف التسقيع لبيعها بعد سنوات بأضعاف اسعارها ومنهم من حولها إلى منتجعات سكنية كما حدث فى طريق مصر - اسكندرية الصحراوى ، وهناك من يستخدم الامر فى عمليات نصب فيضع يده على مساحة شاسعة من الاراضى ويتقدم بطلب لهيئة التعمير لتقنين وضع اليد وعقب حصوله على إيصال رسوم المعاينة يستخدم هذا الايصال كسند للبيع ويقوم بالتصرف فى هذه الارض وبيعها للمواطنين .
تواصلنا مع اللجنة العليا لاسترداد اراضى الدولة وطرحنا كل التساؤلات عليهم وتبين أن اللجنة قدمت كل التسهيلات للمحافظات لإنهاء ملف التقنين ولم تدخر جهدا سواء بالاشراف على اعمال اللجان المختصة بالمحافظات وانهاء المشاكل التى تظهر امامها من خلال الاجتماعات الدورية التى تعقدها مع المحافظين ونوابهم وسكرتيرى العموم ومسئولى الاملاك ، وقد طلبت من المحافظين مرارا وتكرارا بضرورة الاشراف المباشر على الملف والمتابعة الشديدة على عمل اللجان بالمحافظات وتحويل المشاكل والمعوقات إلى اللجنة العليا لتقوم بتحمل مسئولية الحل الفورى وبالفعل قامت اللجنة بحل عشرات المشاكل وتم التأكيد عليهم باهتمام القيادة السياسية بالاسراع فى إنهاء الملف وان كل محافظ له كامل الحرية فى اتخاذ القرارات اللازمة.. والتأكيد على معاقبة اى موظف يثبت تقصيره فى هذا الملف او يغالى ويجب تحويله إلى الجهات الرقابية ..وقد تم طبع كتيب صغير بالتنسيق مع وزارة التنمية المحلية به قرابة 39 توصية حول خطوات التقنين وطرق التسعير لإرشاد الاجهزة المعنية بالمحافظات فى العمل على ملف التقنين .. الا انه بالرغم من كل ذلك فالنتائج مخيبة للآمال والاداء سيئ وكان من المفترض ان تكون الحصيلة أعلى من ذلك بكثير جدا وان كان الوضع يختلف من محافظة إلى اخرى فهناك محافظين استطاعوا حسم الملف بشكل كبير وآخرون أخفقوا.
رابط دائم: