رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عن (الأزْهَر) والتجديد

أتذَكّرُ جيدًا ذلك اليوم الذى اجتمع فيه مرشد الإخوان السابق الراحل (محمد مهدى عاكف)، والحالى (محمد بديع)، واستدعى الأَوَّل الدكتور الراحل (أحمد العسال)، حيث كان الأخير قد عَمِلَ، رئيسًا للجامعة الإسلامية بباكستان، ثم مستشارًا لها، إِبَّانَ الفترة التى عَمِلَ فيها الإمام الأكبر (أحمد الطيب)، عميدًا لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية (1999 : 2000)، حضرتُ الاجتماع بصفتى وقتها رئيسًا لتحرير موقع الإخوان، وكان الهدف هو أن يستطلع التنظيم رأى الدكتور العسال فى الإمام الطيب، وانتهى الحوار إلى نتيجة حاسمة، تؤكد أن (الشيخ الطيب رغم حُسن استقبال الإخوان له فى الجامعة، وكرم ضيافتهم له، رفض بحزم أى محاولة لأن يستخدمه التنظيم مؤكدًا أنَّهُ يعتزُ بانتمائه للأزهر، ولا يقبل أن يخدش أحدٌ هذا الاستقلال، أو أن يكون توجهه لغير الدين الخالص)، تَأَسَّفَ الحضورُ جميًعا على موقف الرجل الذى رفضَ (خِدمةَ الدعوةْ)، والمقصودبها (دعوة إسلام الإخوان)، لا الإسلام المُجرّد، وهو ما يعنى أن للرجل موقفًا، وكان أكثرُ ما يزعِج الإخوان هو أن يواجههم عالمٌ من علماء الدين الإسلامى له موقف، لا يُغريه سلطان التنظيم المتمكن من باكستان، أو المُتسلط على الجامعة القَطَرِيَّة من قبلها حيث أعير إليها الإمام الطيب.

ولأن كاتب هذه الأسطر من خريجى جامعة الأزهر، وينتسب إلى بيتٍ جذوره كلها أزهرية، فلقد كُنتُ شاهد عيانٍ طيلة فترة دراستى الجامعية وما قبلها، على لجان العمل الإخوانى التى راحت تنمو قواعدها مُتطفِلَةً على بدن الأزهر المُمتد داخل مصر وخارجها، وارتبط هذا التطفل بعلاقة عكسية مع رعاية الدولة المصرية لمؤسسة الأزهر، باعتبارها قلعة التنوير الإسلامى محليًا ودوليًا، وأحد قلاع الأمن القومى للأمة، وهو فى تقديرى ما استوعبه صُناع تنظيم الإخوان منذ اللحظة الأولى لنشأته عام 1928، حتى بات الأزهر بالنسبة للدولة المصرية ديكورًا مُكمِلًا للمظهر العام للدولة، لا فاعلًا فى بنائها وتنمية وعيها ورافعًا لرايتها فى أرجاء العالم كلِّه، ولهذا كان مؤسس التنظيم (حسن البنا) حريصًا على أن يرتدى الزى الأزهرى باعتباره مِفتاح الدخول بغير ممانعة إلى وعى العامة، وهو ما وَرِثهُ عنه أجيال التنظيم المُتعاقبة، ولو اتسع المقال لكان سرد أسماءٍ من قيادات التنظيم فى إفريقيا وأوروبا وآسيا تسير متسترة بزى الأزهر، لتنشر الإسلام التنظيمى باعتباره دعوة الإسلام الخالصة.

باتت مؤسسات الأزهر فى الداخل هدفا لخطط لجان التنظيم المختلفة، بداية من الأطفال فى المراحل الابتدائية عبر قسم (الأشبال)، ومرورًا بكل مراحل التعليم، ووصولًا لإنشاء لجانٍ بالمحافظات تتبع (قسم الاتصال بالعالم الخارجي) مهمتها هى العمل فى أوساط الطلاب الوافدين، ليُسلب الأزهر ومعه مصر موقع التأثير فى العالم الإسلامى كله.

حين تولى الإمام الطيب مهمته فى مشيخة الأزهر، كان لدى الإخوان الكثير من الهواجس التى دفعتهم لأن يُصنفوه فى خانة أصحاب المواقف من التنظيم، وتحديدًا قالوا (عداؤه غير مبرر للإخوان)، فعمدوا منذ اليوم الأول لتوليه على أن يربطوا بينه وبين نظام (مبارك)، وفى تقديرى أن هذا الموقف يرجع لإدراك التنظيم أن استقلال الإمام من ناحية، وعقليته العلمية الجامعة بين علوم العقيدة والفلسفة، والتى صقلها انفتاحٌ بحثى دعمته دراسة الدكتوراه فى جامعة السوربون، جميعها مؤهلاتٌ يراها التنظيم خطرًا يُهَدِدُ تصدره لمشهد الدعوة الإسلامية باعتباره جماعة التجديد، ومع دعم الأزهر، فمن المُمكن أن يُفعِل هياكل الأزهر إبداعًا، ويعالج عُقَدَها المُزمنة تجديدًا وتطويرًا.

إن تحديات البقاء يَجعل تقييم دور الأزهر باعتباره مؤسسة أمن قومي، فرضًا وطنيًا قبل أن يكون دينيًا، وحتمية إنسانيةً قبلَ أن تكون مصرية أو عربية أو إسلامية، وهو ما يعنى صيانة المؤسسة من كلِ أسهم الاستهداف، ومَنح إمامها ما يُعين على المسير فى درب الاجتهاد، بغير مُلاحقات المتربصين،أو المتربحين بعناوين التجديد الاستهلاكية، فتتابُع المُهَددات تطرفًا وتفريطًا يوجب على المعنيِّ بالمصير دعم كل مسير نحو الإنقاذ، ولأن كان الله قد بشر مصر بالأمن، فإن بِشارتَهُ تظل مرهونة بامتلاك أهلها أسبابه، وعلى رأسها الأزهر الذى إذا استقل لوجه الله ثم الإنسانية أزهر.


لمزيد من مقالات عبدالجليل الشرنوبى

رابط دائم: