رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مسئوليات ما بعد خطة ترامب

كان فى مقدور معظم الذين تابعوا المؤتمر الصحفى شديد الخصوصية الذى عقده الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بصحبة صديقه العزيز بنيامين نيتانياهو رئيس حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلى، وخصصه ليعلن فيه مشروعه للسلام أن يكونوا على يقين بأن ما يرونه لا يخرج عن كونه احتفالية مكايدة يكايد فيها ترامب أعداءه الديمقراطيين فى الكونجرس الذين يستعدون لمحاكمته أملاً فى عزله من منصبه، ويكايد فيها نيتانياهو ليس فقط غرماءه من قادة الكيان الذين يجاهدون لوراثة تركته فى رئاسة حكومة كيان الاحتلال الإسرائيلى من أمثال بينى جانتس زعيم حزب أزرق- أبيض أو أفيجدور ليبرمان وزير الحرب السابق زعيم حزب إسرائيل بيتنا بل وأيضا مؤسسات الدولة الإسرائيلية التى يرى أنها تتآمر عليه بتقديمه للمحاكمة من أجل عزله والتخلص منه خاصة الشرطة والنيابة العامة والقضاء.

ولأنهم أرادوها احتفالية لفرض التزوير واغتصاب الحقوق، وليست احتفالية إعلان مشروع للسلام فإنهم اختاروا بدقة من يحضرها، وجلهم من خيرة الداعمين لترامب فى صراعه السياسى ضد الديمقراطيين فى الكونجرس، والداعمين، فى الوقت نفسه، لكيان الاحتلال من اليهود ومن المنتسبين لجماعة الصهيونية- المسيحية داخل الولايات المتحدة الذين ينتمى إليهم ترامب، المؤمنين، ليس فقط بالحق المطلق لليهود فى ملكية فلسطين كاملة وإعادة بناء الهيكل مكان الأقصى الذى يعتبرونه رمزا للاغتصاب العربى لأرض اليهود، ومن ثم ينبغى هدمه، ولكنهم مؤمنون أيضا بحق إسرائيل فى الانتصار على أعدائها العرب، لأن هذا الانتصار، الذى لن يتم إلا بـ حرب كبرى يعتبر الشرط الموضوعى لعودة السيد المسيح، من وجهة نظرهم.

كل هذا تكشف من مظاهر تلك الاحتفالية لكن الجوهر كان أشد سوءا حسب ما كشف الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى كلمته التى ألقاها يوم السبت الفائت أمام الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بجامعة الدول العربية وفق ما وصله من أوراق وتفاصيل خطة ترامب، ورأى أنها تتناقض كلية مع جميع قرارات الشرعية الدولية. فالخطة تشمل ثلاثة أركان أساسية من أركان الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى وهى: القدس والأرض (أى الحدود) وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية، أى يهودية الأرض وهو الاعتراف الذى من شأنه أن يتضمن الإقرار بأن الفلسطينيين هم من اغتصب حقوق اليهود فى وطنهم وليس العكس، على النحو التالى:

- أن تكون القدس (الغربية المحتلة عام 1948 والشرقية المحتلة عام 1967) عاصمة موحدة وأبدية لدولة إسرائيل. ومنح الفلسطينيين عاصمة بديلة فى قرية أبو ديس المجاورة للقدس، ولهم أن يعطوها أى اسم يريدونه حتى ولو كان القدس الفلسطينية، على أن يتم فرض تقسيم مكانى وزمانى للمسجد الأقصى. ما يعنى أن مصير الأقصى، الذى يقع بكامله، وفقاً لخطة ترامب فى أرض خاضعة للسيادة الإسرائيلية، سوف يشبه مصير المسجد الإبراهيمى فى مدينة الخليل المحتلة بالضفة الغربية، الذى أصبح الوجود الإسرائيلى فيه هو الأساس والوجود العربى هو الاستثناء.

- ضم كل المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية ما يعادل 30% من مساحة الضفة الغربية التى هى تعادل 25% فقط من مساحة فلسطين، أى ما سيتبقى للفلسطينيين من وطنهم هو: 70% من 25% من أراضى الضفة+ قطاع غزة، على أن يتم تعويضهم بمساحات بديلة فى مثلث النقب ما يعنى أن الأرض التى سوف تسمى دولة فلسطينية لن تكون فقط محدودة بل وهزلية لأنها ستكون عبارة عن جزر معزولة عن بعضها البعض ومخترقة بالمستعمرات الإسرائيلية.

- ضم غور الأردن إلى السيادة الإسرائيلية وهو أهم جزء من الأراضى الخصبة الواقعة على الضفة الغربية من نهر الأردن. وهذا له معنيان أولهما أن إسرائيل هى من سيستفيد من مياه نهر الأردن، وأن الدولة أو الكيان الفلسطينى سيخسر أهم أراضيه وسيخسر المصدر الأساسى للمياه، وثانيهما عزل الدولة الفلسطينية المقترحة عن الأردن ومد حدود إسرائيل لتكون هى الجوار المباشر للأردن، لمنع أى تواصل بين الدولة الفلسطينية وعمقها العربى.

- تصفية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين بالكامل أى حرمان أكثر من عشرة ملايين لاجئ فلسطينى من هويتهم الوطنية وجنسيتهم الفلسطينية وتوطينهم فى مناطق لجوئهم وإكسابهم جنسيات الدول التى يقيمون فيها.

هذه البنود وغيرها، كما أكد بيان وزراء الخارجية العرب، الذى حضره الرئيس الفلسطينى، تتعارض مع قواعد القانون الدولى كما تتعارض مع قرارات الشرعية الدولية. وإذا كان بيان اجتماع وزراء الخارجية العرب قد رفض بالإجماع خطة ترامب، فإن بيان اجتماع وزراء الخارجية العرب لم يطرح الخطة البديلة لإفشال خطة ترامب، وكذلك لم يطرح الرئيس الفلسطينى المشروع البديل الذى فى مقدوره أن يؤمِّن ويصون للشعب الفلسطينى حقوقه التاريخية فى وطنه.

خطة ترامب لم تنشأ من فراغ، فهى تمت أولا بتوافقات مع بعض أطراف عربية، كما أنها تجىء كنتيجة طبيعية للانقسام والصراع الفلسطينى- الفلسطينى بين كل من منظمتى فتح وحماس وغياب مشروع فلسطينى موحد لاسترداد الأرض المحتلة، كما أنها تجىء نتيجة طبيعية لانصراف العرب عن فلسطين وانشغالهم بأجندات وقضايا أخرى، وتعامل بعض الحكومات العربية مع القضية الفلسطينية ومع حقوق الشعب الفلسطينى باعتبارها باتت تمثل عبئا على علاقاتها مع الولايات المتحدة ومع مفاهيم جديدة لأمن دول هذه الحكومات ومصادر تهديد هذا الأمن. لذلك فإن أى موقف فلسطينى وعربى جاد يستهدف إفشال خطة ترامب لابد أن يبدأ بالإجابة عن السؤال المهم وهو: كيف ولماذا تجرأ الرئيس الأمريكى على طرح هذا المشروع الذى يؤسس لاستسلام عربى وفلسطينى كاملين لمشروع الدولة اليهودية، وتصفية القضية الفلسطينية وكافة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى والمعترف بها دولياً؟ وبعدها يكون السؤال الثانى هو ما هو المنهج البديل الذى من شأنه استرداد الحقوق شرط أن يتم التوافق على أن المنهج السابق فى التفاوض غير المشروط بأفق زمنى وغير المرتكز على مقررات الشرعية الدولية هو المسئول الأول عن هذه الكارثة التى تؤسس لها خطة ترامب.


لمزيد من مقالات د. محمد السعيد إدريس

رابط دائم: