رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إحياء أم تطوير علوم الدين؟

ماذا طرح الدكتور محمد عثمان الخشت فى مؤتمر الأزهر العالمى لتجديد الفكر الإسلامى ؟ هل راح يهدم فى ثابت الدين؟ هل نادى بتطوير القرآن معاذ الله؟ هل ذهب إلى إنكار السنة؟ هل قال ببدع تقوض أسس الدين؟.

لا ليس كل ما تقدم, لقد طرح الخشت رؤيته منطلقا من تعظيم القرآن بحسبانه مقدسا فضلًا عن المتواتر من السنة، مناديا باحترام الإسهامات الفقهية فى التاريخ الإسلامي.

راح الدكتور الخشت يميز من ناحية بين الإلهى المقدس واجب الوقوف عند حدوده فلا نتجاوزها وبين البشرى غير المقدس الذى يقبل التقسيم والمراجعة فى ضوء معطيات الزمان والمكان من ناحية أخري. فاستنادا إلى هذا التمييز يرى الدكتور الخشت حاجة مجتمعنا الحاضر والمستقبلى إلى الرجوع إلى المنابع الصافية والنظر إليها وفيها بالأساس لنستقى منها ما يعيننا على عيش حاضرنا ومستقبلنا بقراءة تناسب مكاننا وزماننا الذى تحكمه تجليات مختلفة ومنبتة الصلة عن أماكن وأزمان من سبقونا. ويرى الخشت فى هذا الإطار أن الكتابات الفقهية التى قيلت فى رحاب القرآن والسنة المتواترة فى القرون السابقة لها قدرها واحترامها، ويجب أن نتدارسها ونأخذ منها ما يناسبنا فى زماننا ونطرح منها ما يناقض ذلك، حيث لا قدسية لها.

ويؤكد الدكتور الخشت رؤيته فى ضرورة تبنى قراءات معاصرة للتراث الدينى تسمح بتطوير حقيقى لخطاب دينى معاصر، يعيد تنقيح ما تفجرت به القرون الماضية من قراءات متعددة أفرزت المذاهب الفقهية المختلفة التى انطلقت من أساس ثابت إلهى مقدس وتفرقت من بعده فى قراءته إلى مذاهب وفرق بعضها يكمل البعض الآخر منها وأخرى تناقضها أو تنكرها، وهو ما يؤكد أن معيار الصح ليس واحدًا، فكل رأى فى ذات المسألة يحتمل الصحة مهما تعددت الآراء، على الرغم من انطلاقها من أساس واحد.

ولم يكن الدكتور الخشت فيما ذهب إليه غريبًا عن الفكر القويم، فهو ينادى بقراءة معاصرة تصلح لتطوير الخطاب الدينى وتجديده بما يناسب حاضرنا، بقراءة جديدة تضاف إلى القراءات السابقة، تتكامل معها ولا تهدمها ما دامت مناسبة لنا ولزمننا.

ولأفكار الدكتور الخشت وبيقين ظهير دستورى حيث تقرر المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم (8) لسنة 17 ق. د. أن الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو بدلالتها أو بهما معا تقع ضمن دائرة الاجتهاد وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيوييتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيما لشئون العباد بما يكفل مصالحهم المعتبرة شرعاً، ولايعطل بالتالى حركتهم فى الحياة، وحيث إن إعمال حكم العقل فيما لا نص فيه، يعتبر تطويرا لقواعد عملية تكون فى مضمونها أرفق بالعباد وأحفل بشئونهم، وأكفل لمصالحهم الحقيقية التى تشرع الأحكام لتحقيقها، وبما يلائمها، مرده أن شريعة الله جوهرها الحق والعدل، والتقيد بها خير من فساد عريض، وانغلاقها على نفسها ليس مقبولا ولامطلوبا، ذلك أنها لاتمنح أقوال أحد من الفقهاء فى شأن من شئونها، قدسية تحول دون مراجعتها وإعادة النظر فيها، بل وإبدالها بغيرها فالآراء الاجتهادية فى المسائل المختلف عليها ليس لها فى ذاتها قوة متعدية لغير القائلين بها، ولايجوز بالتالى اعتبارها شرعا ثابتا متقرراً لايجوز أن ينقض، وإلا كان ذلك نهيا عن التأمل والتبصر فى دين الله تعالي، وإنكارا لحقيقة أن الخطأ محتمل فى كل اجتهاد...وتلك هى الشريعة الإسلامية فى أصولها ومنابتها، متطورة بالضرورة، نابذة الجمود، لايتقيد الاجتهاد فيها, وفيما لا نص عليه, بغير ضوابطها الكلية، وبما لايعطل مقاصدها التى ينافيها أن يتقيد ولى الأمر فى شأن الأحكام الفرعية والعملية المستجيبة بطبيعتها للتطور، لآراء بذاتها لايريم عنها، أو أن يقعد باجتهاده عند لحظة زمنية معينة تكون المصالح المعتبرة شرعا قد جاوزتها.

ويتأكد ظهير الدكتور الخشت من الدستور فى ضوء ما سبق بما نص عليه الدستور الحالى فى المادة (2) من أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع من ناحية أولي، وبما ورد فى ديباجة الدستور تأكيد ان مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، وأن المرجع فى تفسيرها هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا فى ذلك الشأن من ناحية ثانية، وما نصت عليه من ناحية أخيرة المادة (227) من الدستور يشكل بديباجته و جميع نصوصه نسيجا مترابطا، وكلا لا يتجزأ، وتتكامل أحكامه فى وحدة عضوية متماسكة.

ورؤية الدكتور الخشت المعززة بمرجعية دستورية هى عين ما نادى به رئيس الجمهورية أكثر من مرة وفى أكثر من مناسبة بحسبان أن ذلك هو العاصم لشبابنا من الانزلاق إلى أتون الفكر المتطرف والجماعات الارهابية التى ما فتئت تنادى بمرجعية دينية لها من أقوال وكتابات الفقهاء الأقدمين التى قيلت فى أطر مكانية وزمانية مختلفة تماما وعلى أساس معطيات بشرية واجتماعية واقتصادية وثقافية لا يمكن القياس عليها للتأصيل أو التأويل لمجتمعنا فى الوقت الحاضر أو المستقبل.

> أستاذ القانون العام ــ جامعة القاهرة


لمزيد من مقالات د. رجب محمود طاجن

رابط دائم: