رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الإعلام العربى فى الولايات المتحدة

أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى أخيرا أهمية دور الإعلام فى ظل المستجدات على الصعيدين الوطنى والدولى، وطالب بصياغة سياسة اعلامية بناءة تواكب تلك التطورات، ويطرح هذا الموقف تساؤلا حول الدور الذى يضطلع به الإعلام العربى على الساحة الأمريكية ومدى الحاجة إلى تطويره وتنشيطه حفاظا على المصالح العربية القومية، ولعل من أهم التحديات التى يواجهها الإعلام العربى فى الولايات المتحدة هو تصحيح الصورة السلبية للعالم العربى، وحث الإدارة الأمريكية على اتباع سياسة عادلة تجاه القضايا العربية، وفى مقدمتها القضية الفلسطينية، وقد أدركت جامعة الدول العربية منذ الخمسينيات أهمية انشاء مكاتب إعلامية عربية فى الولايات المتحدة يتم من خلالها مخاطبة الشعب الأمريكى والدفاع عن المواقف العربية والاسهام فى تنمية العلاقات العربية الأمريكية بناء على المصالح المشتركة للجانبين، وفى هذا السياق تم انشاء اول بعثة للجامعة فى نيويورك عام 1954تضطلع بمهام إعلامية فضلا عن تمثيل الجامعة كوفد دائم مراقب لدى الأمم المتحدة، ثم انشئت أربع بعثات أخرى فى كل من واشنطن وشيكاغو وسان فرانسيسكو ودالاسس، إلا أنه تم اغلاق عدد من هذه البعثات لاحقا لاعتبارات مالية باستثناء بعثات واشنطن ونيويورك، لأهميتهما على الساحة الأمريكية والدولية.

ولاشك أن العرب قد واجهوا على مر السنوات تحديات كبرى فى الولايات المتحدة تمثلت اساسا فى التحيز الأمريكى لمصلحة إسرائيل وتأييدها فى مواجهة المطالب العربية المشروعة، كما كان لاحداث سبتمبر 2001 وما صاحبها من ضحايا نتيجة تدمير مركز التجارة العالمى فى نيويورك تأثير سلبى هائل على مسار العلاقات العربية الأمريكية، إذ تزايدت مشاعر الشك والعداء لدى الشعب الأمريكى ازاء العرب، حيث اعتبروا أن مرتكبى الحادث ينتمون إلى فئة من المتطرفين العرب الكارهين للأمريكيين، ثم كانت حرب العراق التى شنتها إدارة الرئيس بوش على قطر عربى بحجة امتلاكه أسلحة دمار شامل سببا آخر لتوتر العلاقات العربية الأمريكية أضف إلى ذلك أن اغلب وسائل الإعلام الأمريكية متأثرة إلى حد كبير بوجهة النظر الإسرائيلية نتيجة نشاط اللوبى اليهودى الموالى لإسرائيل واخفاق العرب فى استخدام هذا الإعلام لطرح قضيتهم وتصحيح الصورة العربية السلبية السائدة، ونتيجة لكل تلك الاعتبارات تولد مناخ معاد للعرب تمخص عنه انتهاك حقوق وحريات كثيرة للعرب المقيمين فى الولايات المتحدة والأمريكيين من أصول عربية، بل تعرضت وفود عربية زائرة وبعثات عربية مقيمة إلى مضايقات واتهامات.

وفى مواجهة تلك الحملات المعادية للعرب تعاونت البعثات العربية فى واشنطن مع منظمات العرب الأمريكيين التى أصبحت سندا للعرب وداعمة لقضاياهم، فشكلت بذلك جماعة ضغط مناصرة للعرب ومقابلة لجماعة الضغط اليهودية المناصرة لإسرائيل، من جانب آخر، أبدى العديد من الأمريكيين الرغبة فى التعرف على الموقف العربى إزاء تطورات الشرق الأوسط ونظرتنا إلى الدور الأمريكى فى هذه المنطقة الاستراتيجية للعالم.

وإذا ما استعرضنا اسباب ضعف الإعلام العربى داخل الولايات المتحدة لا تضح لنا فشله اساسا فى مخاطبة دوائر صنع القرار والرأى العام بلغة وأسلوب ومنطق يتفهمه الجانب الأمريكى، ويقتنع به، خاصة أن رسالة الإعلام العربى موجهة فى الكثير من الأحيان إلى الداخل بهدف الاستهلاك المحلى. أما دور العرب الأمريكيين وتنظيماتهم فى التعبير عن المواقف العربية والدفاع عنها، فهو دور منشود، حيث يشاطرون هموم العالم العربى ويتفهمون مطالبه وتطلعاته، إلا أن فعالية هذا الدور تأثرت حتما بظاهرة الانقسامات بين الدول العربية وانعكاسها على توجهات تلك المنظمات واعضائها، اضف إلى ذلك انه فى سياق شرح مواقفها والتوضيح لدى الأمريكيين تركز الدول العربية وإعلامها على الدوائر الأمريكية الرسمية اساسا وتتجاهل مختلف القطاعات الأخرى المؤثرة على صنع القرار، وتشكيل السياسة الخارجية كمراكز الابحاث والغرف التجارية والجماعات الدينية، ومن بينها الجماعات اليهودية المعتدلة الداعية إلى السلام مع الفلسطينيين والتجماعات الحزبية المختلفة.

فى ضوء ما تقدم يمكننا القول إن هناك حاجة إلى تطوير الإعلام العربى فى الولايات المتحدة وتنشيطه بوسائل عدة، وهو ما تهدف إليه استراتيجية العمل السياسى الإعلامى للدول العربية التى أصبحت تدرك أهمية ذلك للحفاظ على مصالحها القومية، ومن بين وسائل التطوير التى نقترحها فى هذا المجال اعتماد الدول العربية فى تعاملها مع دوائر واشنطن على أسلوب الإعلام السياسى المباشر، وعدم الاكتفاء باسلوب الاتصال العام عن طريق شركات العلاقات العامة التى تتطلب أموالا طائلة رغم عدم قدرتها على الاتصال السياسى بصانع القرار، كما أن هناك حاجة إلى تنشيط الدبلوماسية الشعبية عن طريق تبادل الزيارات بين البرلمانيين العرب والأمريكيين بصفة دورية ومنتظمة، وعلى المصادر العربية الرسمية فى الدول العربية التواصل مع ممثلى الإعلام الأمريكى وتزويدهم بمعلومات وافية ومتكاملة عن احداث العالم العربى مع تفسيرها، وذلك تمكينا لهم من الرجوع إلى مصادر موثوقة فى نقل الأخبار، وفى هذا السياق وجب تطوير المواقع الالكترونية للجهات الرسمية فى الدول العربية لتكون مصدرا وافيا للمعلومات، فضلا عن اللجوء إلى استخدام شبكات التواصل الاجتماعى الواسعة الانتشار، وهناك حاجة إلى اجادة تسويق الانجازات التى تتم فى الدول العربية بوضع خطة اعلامية وترويجية لكل ايجابيات العالم العربى ومساهماته الحضارية، ومن أهم وسائل التعريف بالعالم العربى وتراثه الثقافى والحضارى كتابة المقالات من ذوى الخبرة والمصداقية، ونشر الكتب الأدبية والعلمية وانتاج الأفلام عن التاريخ العربى العريق، فضلا عن اقامة المعارض كمعرض كنوز توت عنخ أمون الذى طاف الولايات المتحدة محققا نجاحا كبيرا، ومن الجدوى أيضا مساندة النشاط القومى لألوف الطلبة العرب المنتشرين فى معظم الجامعات والكليات الأمريكية والمختلطين مع الجيل الأمريكى الصاعد، وهو ما اسهم فعلا فى تأثر الطلبة الأمريكيين بوجهة النظر العربية، خاصة نحو تأييد حقوق الشعب الفلسطينى، ولابد أن يشمل الإعلام التفاعل الفكرى والثقافى بين رجال ونساء الفكر العربى والأمريكيين لايجاد التعاطف والتفاهم والتغلب على الفجوة الثقافية القائمة بين عالمينا، وأخيرا، على الإعلام العربى السعى إلى تغيير الصورة السلبية السائدة عن العرب فى الولايات المتحدة وتبديلها بصورة حية وحقيقية، بحيث يظهر المواطن العربى فى صورة كاملة الإنسانية، وليست صورة مشوهة.


لمزيد من مقالات د. حسين عبد الخالق حسونة

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق