رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

قطار الليل إلى لشبونة

عنوان هذه المقالة هو نفس عنوان رواية مكتوبة بالألمانية, كتبها فيلسوف أو أستاذ للفلسفة سويسرى المولد يعيش ويعمل, أو عمل حتى وقت قريب, فى برلين وجامعتها الحرة, حيث تولى كرسى أستاذية الفلسفة التحليلية منذ عام 1993 حتى اعتزاله المبكر نسبيا (2007) للعمل الأكاديمي, احتجاجا على ما بات يشوبه ــ من وجهة نظره ــ من تَفَشى روح الموظفين والإداريين على حساب البحث العلمى والفلسفي. هذا الباحث الفلسفى هو بيتر بييري, الذى وُلِد فى العاصمة السويسرية برن عام 1944, ودرس الفلسفة والآداب الإنجليزية والهندية فى جامعات لندن وهيدلبرج. وفى عام 1971 ناقش رسالته لنيل درجة الدكتوراه فى فلسفة الزمن. وبعد ذلك اتجه للعمل الأكاديمي, فقام بتدريس الفلسفة فى جامعات أمريكية مرموقة مثل جامعة كاليفورنيا وبيركلى وهارفارد, ثم فى معهد الدراسات المتقدمة ببرلين, وبعدها عمل كمساعد علمى فى حلقة البحث الفلسفى بجامعة هيدلبرج، وشارك فى تأسيس وحدة البحث فى مجال الإدراك ودراسات المخ البشرى بالمؤسسة الألمانية للبحوث العلمية, حيث يتركز اهتمامه على فلسفة العقل ومبحث المعرفة والأخلاق. وبين عامى 1990 و1993 تولى كرسى أستاذية تاريخ الفلسفة بجامعة ماربورج. وحين بدأ بييرى يكتب الرواية فى عقد التسعينيات, وهو فى الخمسين, اتخذ لنفسه اسما أدبيا مستعارا مغايرا لاسمه الذى ارتبط بالفلسفة, فنشر رواياته الأربع بين عامى 1995 و2007 تحت اسم باسكال مرسييه الذى طغت شهرته على اسمه الأكاديمى بيتر بييرى بعد صدور روايته الثالثة قطار الليل إلى لشبونة التى سرعان ما قفزت به إلى مرتبة كبرى بين الروايات الأكثر مبيعا على الصعيد العالمي, كما تحولت إلى فيلم سينمائى بنفس العنوان فى عام 2013. وتُرجمت الرواية إلى عدة لغات, منها العربية بقلم الكاتبة والمترجمة التونسية سحر سَتّالة, وقد صدرت الترجمة العربية بتونس العاصمة عام 2019. عن دار مسكيليانى للنشر والتوزيع.

العمل, بخلاف الكثير المعتاد بين الأعمال الأدبية التى تحتل قوائم الأكثر مبيعا وتتحول لأفلام سينمائية, لا يجنح للتسلية والإثارة؛ بل هو عمل عميق, جدير حقا بان يكتبه فيلسوف, كانت أطروحته فى فلسفة الزمن. ومع ذلك, هو عمق شاعرى أدبيّ, يغوص فى الحياة ولا ينغلق فى حجرات التأمل النظري. بل إن موضوع الرواية هو ذلك الخروج إلى الحياة, ذلك الانعتاق المفاجئ من أسْر نصوص الكتب واللغات التى فقدت منذ قرون صلتها بالواقع الحي. فبطل الرواية, أو أحد بطليها, عالم فى اللغات القديمة, ذات الصلة بالكتاب المقدس والآداب الكلاسيكية, وفاقدة الصلة بالواقع الآنيّ, فصارت تُسمَّى ــ ظُلما ربما ــ باللغات الميتة: الإغريقية واللاتينية, كما يجيد العبرية القديمة لغة الكتاب المقدس إجادة تامة. ريموند جريجوريوس, المعجم الماشى على قدمين, الذى يسميه زملاؤه بـ «البرديّة», حسدا منهم وتهكما على تمكنه التام من اللغات المتحفية التى يُدَرسها لطلبة المعهد الثانوى ببرن, وانقطاعه وانعزاله شبه التام عما حوله. ذلك المدرس الذى من فرط ذوبانه فى عالم النصوص القديمة التى يُدَرسها, سماه زملاؤه وتلامذته فى إجلال تشوبه السخرية: «موندوس», أو العالَم باللاتينية, فقد صار هو العالَم القديم, والدنيا التى تحيا فقط فى نصوصه العتيقة, من شدة تفانيه فيها صارا واحدا . لكنّ كل ذلك يتوقف فجأة, ذات صباح هو نسخة طبق الأصل من كل صباحاته فيما يزيد على أربعين عاما, وهو يعبر الجسر فى طريقه اليومى للمعهد الذى عاشه تلميذا فأستاذا, إذا به يبصر فى منتصف الجسر ما غيّر حياته وبدّلها تبديلاً, فتنتهى حياته الأولى لتبدأ الرواية.. وهى رواية سنتأملها معاً بإذن الله فى المقالة المقبلة.


لمزيد من مقالات بهاء جاهين

رابط دائم: