دخلت عالم التدوين متأخرا لأكثر من عشرين عاما، فقد ظهر على شبكة الإنترنت الدولية، حسبما يذهب كثير من المدونين، مع نهاية التسعينيات، وكان وقتها يسمى weblog أى التدوين على الويب، كنوع من كتابة المذكرات والأفكار على الشبكة العنكبوتية، قبل أن يدخل عليه خبير الوسائط الرقمية الأشهر فى هذا المجال، بيتر ميرهولز تطويرا كبيرا، ليصل إلى صورته الحالية، ويشمل ملايين المنصات التى يستخدمها المدونون فى فعل التدوين حول العالم.
دخلت إلى هذا العالم العجيب، مدفوعا فى بدء الأمر، بتلك الرغبة الملحة من ابنتى مريم، وقد دخلت عامها الحادى عشر قبل شهور، بعد فترة من النقاش الساخن، فقد كانت ترى، ولعلها رؤية أجيال عدة، أن الكتابة فى الصحف السيارة، على صورتها التقليدية الحالية، لم تعد ذات جدوى، فلم يعد الناس يقرأون الصحف مثلما كانوا يفعلون من قبل، بعدما أصبح بالإمكان معرفة كل ما يدور فى العالم من أحداث وأخبار، بضغطة زر على جهاز الكمبيوتر الشخصى، أو عبر شاشة الهاتف المحمول.
على مدار أكثر من شهرين، حاولت جاهدا الانتصار لموقفى، مستخدما فى ذلك كل الإغراءات الممكنة، بدءا من تعمد تصفح عشرات الكتب والصحف والمجلات المنوعة فى البيت، وانتهاء بإشراكها نظير مبلغ مالى طبعا فى إعادة ترتيب أرشيفى الخاص، الذى يتضمن معظم ما أنتجته خلال نحو ربع قرن، احترفت خلالها مهنة الصحافة، وكتبت فى العديد من الصحف والدوريات المصرية والعربية، وأحتفظ بجزء كبير منه، بعناية شديدة فى مكتبتى الخاصة، لأجدنى فى النهاية مهزوما، ومجبرا على الانصياع لرغبة 150 سنتيمترا، من الذكاء والشقاوة وخفة الظل.
كان السؤال عميقا وثقيلا فى آن، ربما بذلك الثقل الذى تحتل به، قصاصات الصحف، ونسخ المجلات المصورة، التى دأبت منذ أكثر من عقدين من الزمان، على الاحتفاظ بنسخ منها فى مكتبتى الخاصة، وتصديت خلالها بكل ما أوتيت من قوة، لمؤامرات الحاجة أم أحمد، التى كانت تستهدف استخدامها كمفرش إضافى للمائدة، أثناء وجبات السمك المشوى، إذ هل يبدو منطقيا أن يحتفظ المرء بكل هذه الأوراق فى مكتبته، بينما باستطاعته أن يكون أرشيفه الخاص، بكل ما يتضمنه من إنتاج فكرى وأدبى، على شبكة الإنترنت، ويربح من وراء ذلك أموالا طائلة؟
دخلت إلى عالم التدوين متأخرا، وقضيت أياما أسيرا لهذا العالم العجيب، فى محاولات دؤوبة للفهم، لم أتردد خلالها فى طلب المشورة والدعم، من قرصانتى الصغيرة، وأغلب الظن أننى سوف أحتاجها كثيرا، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالتدوين، وهى لعبتنا التى احترفناها منذ زمن، لكنه يمتد إلى علوم البرمجة والتسويق، وفى ذلك قصص أخرى قد تروى، عن عالم مثير يتحرك بسرعة الصاروخ، بينما صحافتنا الورقية لا تزال تراوح مكانها، وتقف على بوابة القرن الجديد، دون أن تجرؤ على الدخول.
لمزيد من مقالات أحمد أبو المعاطى; رابط دائم: