رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأزمة الليبية.. ما بعد مؤتمر برلين

وضع مؤتمر برلين الأزمة الليبية فى بؤرة الاهتمام الدولى مع حضور الأطراف المعنية, وأكد وجود توجه دولى نحو حل سياسى ووقف إطلاق النار إلا أن مخرجاته لم تحدث نقلة نوعية فى طريق إنهاء الأزمة المستعرة منذ تسع سنوات وتفاقمت تداعياتها خاصة فيما يتعلق بغياب الدولة ومؤسساتها الوطنية ووجود حالة من الانقسام ما بين الشرق والغرب.

مؤتمر برلين هو استنساخ لعشرات المؤتمرات التى عقدت سواء حول ليبيا أو حول الأزمات والحروب الداخلية فى المنطقة العربية مثل سوريا واليمن وغيرها، حيث ظلت تدور فى إطار العموميات والتوصيات دون وضع خريطة طريق شاملة وآليات واضحة وملزمة فى مدى زمنى محدد لإنهاء الأزمة، حيث دار مؤتمر برلين حول ضرورة دعم الحل السياسى ووقف التدخلات الخارجية وتثبيت الهدنة الهشة عبر تشكيل لجنة عسكرية من طرفى الأزمة تضم عشرة أشخاص، لكن بيان مؤتمر برلين ليس ملزما لأنه لم يصدر بشأنه قرار ملزم من مجلس الأمن الدولى وفقا للفصل السابع، خاصة فيما يتعلق بوقف التدخلات الخارجية خاصة التدخلات التركية السلبية التى أججت الصراع وغذت الانقسام والاستقطاب الداخلى بعد إرسال تركيا قوات عسكرية ومقاتلين مرتزقة من الإرهابيين الذين نقلتهم من إدلب السورية للقتال إلى جانب ميليشيات حكومة الوفاق فى تحد واضح للقانون الدولى بالتدخل فى شئون ليبيا وانتهاك صارخ لقرارات مجلس الأمن خاصة القرارين 1970 و2259 اللذين يحظران توريد الأسلحة أو المقاتلين أو المرتزقة إلى ليبيا، حيث اكتفى بيان برلين بوقف التدخلات الخارجية دون تقديم ضمانات وآليات حقيقية لتطبيق ذلك القرار أو منع واضح للتدخل التركى فى الأزمة.

معضلة الدور الخارجى فى الأزمة الليبية انه يتعامل مع الأزمة من منظور المصالح التى تحكم كثيرا من مواقف الأطراف المتداخلة فى الأزمة، والتى جعلت ليبيا ساحة أخرى أيضا مثل سوريا لصراع القوى المختلفة فى إطار الحرب بالوكالة، وتكتسب ليبيا أهمية خاصة مع وجود النفط ذى الجودة العالية والمخزون الكبير الذى تمتلكه، وهو ما يعد محركا لكثير من مواقف الدول خاصة بعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة وروسيا، إضافة إلى تركيا التى تريد الاستحواذ على الثروات الليبية وثروات البحر المتوسط تحت مظلة الاتفاق البحرى والأمنى غير القانونى مع حكومة السراج.

والواقع أن الموقف الدولى جزء من المشكلة وليس الحل، فهناك تغاض بل تراخ واضح إزاء التعامل الحاسم مع التدخل التركى فى ليبيا، بل يمكن القول ان تركيا حصلت على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لموازنة الدور الروسي، والذى بدوره يسعى لاستعادة نفوذه القديم فى ليبيا والذى تراجع بعد سقوط نظام القذافي، كما أن هناك تنافسا فرنسيا إيطاليا حول اقتسام النفوذ فى ليبيا، بينما تدعم تركيا وقطر حكومة السراج وميليشيات الإسلام السياسى وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية التى تسيطر على العاصمة طرابلس، والتى تمثل أداة فى مشروع أردوغان لإحياء تطلعات السلطان العثمانى وأداة قطر فى تعظيم دورها فى المنطقة.

كما أن التحركات الدولية, والتى شهدت وتيرة عالية بعد تقدم الجيش الوطنى الليبى على المسار العسكرى وأصبح قاب قوسين من وسط العاصمة وتحرير سرت وتطويق مصراتة, تتعامل مع الأزمة سياسيا وأمنيا من منظور الأمر الواقع وتساوى بين الجيش الوطنى الذى يعبر عن إرادة الشعب الليبي, وبين الميليشيات المتطرفة التى تتحكم فى العاصمة بقوة السلاح, وهنا مكمن المشكلة لأنه بدون معالجة الأزمة الأمنية وهى نزع أسلحة تلك الميليشيات وبسط سيطرة الجيش على كامل التراب الليبى لن يكون هناك حل سياسى شامل ودائم، كما أنه دون مصالحة وطنية حقيقية بين كل الليبيين فى الداخل والخارج ستظل حالة الانقسام الذى تغذيه أطراف خارجية مستمرة وهو ما يمثل عائقا أمام التوصل إلى حل توافقي.

إن جوهر الحل للأزمة الليبية يقوم على علاج مسبباتها الحقيقية, وهو الطرح الذى أكدته مصر أكثر من مرة, وهو قضية بناء الدولة الوطنية الليبية ودعم مؤسساتها الشرعية وعلى رأسها الجيش الوطنى والشرطة, لكى تكون قادرة على حفظ الأمن والاستقرار وبسط القانون ومحاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية ووقف الهجرة غير المشروعة, والحفاظ على وحدة ليبيا وسيادتها، وبالتالى نزع أسلحة الميليشيات المسيطرة على طرابلس وبعض مدن الغرب الليبى وعدم الاعتراف بها كشريك فى العملية السياسية, ثم العمل على تحقيق المصالحة الوطنية باعتبار أن الحل أولا وأخيرا هو بأيدى الليبيين، وكذلك إحلال مفهوم الدولة محل مفهوم القبيلة، خاصة أن نظام القذافى لم يقم دولة المؤسسات، وكتابة دستور جديد وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تحت إشراف دولي, وتوظيف ثروات الشعب الليبى، خاصة من النفط والغاز لتحقيق تنمية حقيقية شاملة ومستدامة، وكذلك عودة الليبيين فى الخارج، وأن يتم وقف كل أشكال التدخلات الخارجية وعلى رأسها التدخلات التركية، وأن يكون للأمم المتحدة عبر مجلس الأمن الدور الرئيسى خلال المرحلة الانتقالية عبر قرارات دولية ملزمة وفقا للفصل السابع من الميثاق. وبدون ذلك فإن الأزمة الليبية لن تشهد تغييرات كبيرة فى مرحلة ما بعد مؤتمر برلين.


لمزيد من مقالات د. أحمد سيد أحمد

رابط دائم: