رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«ملوك المال» الروس.. الرأسمالية المتوحشة

رشا عبد الوهاب

بين الدفاع عن الأوليجاركية أو «حكم الأقلية» أو بمعني أصح «ملوك المال» في روسيا، وبين إنكار وجودها وإعلان نهايتها.. تثار كثير من علامات الاستفهام حول السؤال الأبدي في عالم المال: «من أين لك هذا؟». فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد مرارا أن روسيا «لم يعد بها أوليجاركس، بمعني أولئك الذين يستخدمون قربهم من السلطات لتلقي الأرباح الفائقة.. علي المستوي العلمي هذا غير موجود». وهكذا قدم بوتين تعريفا حديثا للأوليجاركية، يختلف عن تعريف أرسطو الذي صك المصطلح منذ 2300 عام، وسط اتهامات غربية بمسئولية الرئيس الروسي عن صعود وسقوط النخبة الاقتصادية الروسية.

ودافع قطب الأعمال الروسي ميخائيل فريدمان، المولود في أوكرانيا ويحمل الجنسية الإسرائيلية. وتقدر ثروته بنحو 16 مليار دولار، عن المصطلح وقال إنه لا يخجل من هذا المصطلح، لدرجة أنه ألقي محاضرة بعنوان «كيف تصبح أوليجاركيا» قال فيها إن النجاح مزيج من الحظ وإصدار أحكام صالحة، وإنه لا مشكلة لديه في إطلاق هذا المصطلح عليه. وبدأ استخدام كلمة الأوليجاركية لتوصيف المليارديرات الروس في فترة حكم الرئيس الأسبق ميخائيل جورباتشوف وقبيل انهيار الاتحاد السوفيتي خلال فترة تحرير السوق وخصخصة الشركات. وتمكن الجيل الشاب من رجال الأعمال، الذين بدأوا من الصفر ومن أوساط اجتماعية متوسطة أو فقيرة، وخلقت إصلاحات جورباتشوف أمامهم فرصا ضخمة للربح، من مراكمة المليارات. وخلال عهد الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، وضعت خطة «القسائم الحكومية»، التي تسمح للروس العاديين بفرصة شراء ملكية جزئيا للشركات المملوكة للدولة. وبشكل تدريجي، وبواسطة الفساد وضعف تطبيق القانون، بدأت فترة جديدة في التاريخ الروسي بعد انهيار الشيوعية تحت عنوان «رأسمالية الغرب المتوحش» حيث تمكن عدد قليل من السيطرة علي 50% من اقتصاد روسيا.

ومع صعود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلي السلطة، دخل في معركة مع عدد من الأوليجاركيين بسبب أنشطتهم غير القانونية، وفي مقدمتها التهرب الضريبي. وفي 2004، نشرت مجلة «فوربس» الأمريكية قائمة تضم 36 مليارديرا روسيا، مشيرة إلي أنهم صنعوا ثرواتهم بأنفسهم، بينما لا يتبوأون أي مناصب حكومية مثلما كان يحدث في عهد جورباتشوف. وفي 2005، تراجع عدد المليارديرات الروس إلي 30 بسبب قضية شركة يوكوس للبترول والغاز، التي كانت مملوكة لرجل الأعمال ميخائيل خودوركوفسكي، الذي كان يعتبر الأغني في روسيا، والذي نجح في تحويل الشركة إلي أضخم وأنجح الشركات الروسية، إلا أنه تم اعتقاله في أكتوبر 2003 بتهمة التهرب الضريبي وتفككت الشركة وأشهرت إفلاسها في 2006. وهرب خودوركوفسكي من روسيا، وأصبح من أشرس المعارضين لبوتين، وتحولت حياته إلي فيلم سينمائي بعنوان «المواطن كي». وفي 2013، أصبح 110 أشخاص يتحكمون في 35% من الثروات في روسيا. ومن امتلاك الصناعات الرئيسية، من البترول والغاز الطبيعي والمعادن مثل الصلب والنيكل، سيطر الأوليجاركيون الروس علي جميع جوانب الحياة اليومية. ومع تداعيات الأزمة في أوكرانيا في 2014، والتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية في 2016، ومحاولة تسميم العميل المزدوج سيرجي سكريبال وابنته يوليا في شوارع بريطانيا، إلي جانب التطورات في دول البلطيق من جهة ومع حلف شمال الأطلنطي «الناتو»، تحولت موسكو إلي هدف للعقوبات الغربية، وخصوصا أثرياءها. وفرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات جديدة بموجب قانون «مكافحة أعداء أمريكا» ضد سبعة من مليارديرات روسيا بسبب علاقتهم ببوتين، كما استهدفت العقوبات 12 شركة يملكونها أو يديرونها. كما نشرت وزارة الخزانة الأمريكية قائمة تضم 114 من السياسيين الروس، بينهم 96 ممن وصفتهم بالأوليجاركيين تحت طائلة العقوبات في 2018. والمفارقة أن روبرت مولر المحقق الخاص في قضية تواطؤ ترامب مع الروس للفوز بالانتخابات الرئاسية استعان بثلاثة من الأوليجاركيين الروس، الذين لم يسمهم، في القضية. إلا أن الإدارة الأمريكية عادت ورفعت العقوبات عن ثلاث شركات روسية، ومن بينها «روسال» للألومنيوم المملوكة للملياردير أوليج ديريبسكا، باعتبار أن ذلك يضر بصناعة الألومنيوم في العالم، إلا أنها لم ترفع العقوبات عن ديريبسكا نفسه. وسخر بوتين من القائمة الأمريكية، قائلا إن اسمه ليس موجودا، وعمليا، فإن 146 مليون روسي علي القائمة. وفي مواجهة الاتهامات بالفساد، وافق بوتين علي خطة لمكافحة الفساد في 2014، كما صادق علي الخطة الوطنية لمكافحة الفساد من 2018 حتي 2020. ويعيش عدد كبير من الأوليجاركيين الروس في العاصمة البريطانية لدرجة تسمية المنطقة التي يعيشون فيها «موسكو علي التيمز» أو «لندنجراد»، كما اتهم تقرير حكومي حزب المحافظين بزعامة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بتلقي تبرعات منهم. وطالبت المعارضة البريطانية باتخاذ موقف مشابه للعقوبات الأمريكية التي تستهدف رجال الأعمال الروس خصوصا بعد محاولة تسميم سكريبال، وجرائم قتل رجال أعمال روس مثل نيكولاي جلوشكوف الذي كان يعمل لمصلحة شركة إيروفلوت الروسية للطيران، وطلب اللجوء السياسي في بريطانيا بعد محاكمته بممارسة الغش وغسل الأموال، وكذلك الملياردير الروسى بوريس بيريزوفسكي، الذي هدد بالإطاحة بنظام بوتين. ورغم العقوبات والفساد وتركيز المال في أيدي الأوليجاركيين، فإن الكرملين يصر علي القول إن المصطلح «غير ملائم، ولا وجود له في روسيا».

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق