ما أقسي أن تنتهي قصة نجاح تفوق بسقوط مروع وانهيار كاسح، حيث ظهر الملياردير اللبناني الأصل كارلوس غصن كأسوأ مثال لمن فرَّط في سُمعته الذهبية ومشواره العصامي تحت تأثير شهوة المال وجشع الثروة .. فكانت صورته المُخجلة داخل صندوق آلات موسيقية خشبي فرارا من القانون والمحاسبة علي الفساد!.
ولا يلتفت المرء إلي نهاية القصة بقدر ما يتأمل بدايتها وتفاصيل بنائها ليصبح «غصن» من أشهر أباطرة المال والتجارة في العالم في غضون 3 سنوات .. حيث تم اختياره ليقود إحدي أكبر شركات السيارات اليابانية - وينتشلها من الإفلاس بعد أن ذاع صيته وبلغت كفاءته وذكاؤه مسامع العالم بعد عام من رئاسته لعمليات شركة «إطارات» في أمريكا الجنوبية عام 1989. وفي العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو، كتب أول سطر في فصول النجاح الاقتصادي عندما ثبت أقدام الشركة بالمنطقة .. وخلال التسعينيات، انتقل غصن إلي اليابان ليعلن «انقلابا أبيض» في مجال ممارسة إدارة الشركات، ولم يمر وقت طويل حتي سلطت وسائل الإعلام أضواءها علي نشاطه الطاغي الذي توَّجه بحماية «الشركات اليابانية» من الانهيار، وعاش سنواته داخل الكيان العملاق محترما تقاليد الثقافة اليابانية، إلي حد الانحناء بزاوية 30 و 60 درجة في اجتماعات المساهمين ولم ينشغل طوال إدارته إلا بشئ واحد وهو إيقاف الشركة الخاسرة مجددا علي قدميها.
وشغل «غصن» منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة اليابانية، ورئيس «لشركات سيارازت» فرنسية، ثم رئيس مجلس إدارة مصنع السيارات الروسى «أفتوفاز»، وكون بذلك مثلث الشراكة الاستراتيجية بين الأضلاع الثلاثة ليحقق أرباحا سنوية وصلت إلي نحو 100 مليار يورو، وهو ما دفع رئيس أكبر شركة منافسة ليوجه التحية لـ «غصن» ويأمل في الاستفادة من قدراته لتطوير صناعة السيارات في اليابان.
واستحوذت منتجات التحالف الذي أسسه «غصن» في الفترة ما بين 2010 و 2014 علي ما يقارب من 10 % من السوق العالمية لتصير مجموعة «غصن» ضمن أكبر 4 مؤسسات منتجة للسيارات في جميع أنحاء العالم، ويصبح اسم «غصن» علي كل لسان فائزا بلقب «حلّاَل المشاكل» بعد أن أدار بحكمة واقتدار شركات بها 450 ألف موظف.
وجاء 2017، ليضيف الإمبراطور اللبناني المتعدد الجنسيات إلي جعبته رئاسة مجلس إدارة شركة سيارات يابانية أخرى وتتصاعد شهيته لجني ملايين الدولارات سنويا .. فيحصل علي 66 مليون دولار من «شركته»، ومليونين من «الشركة اليابانية الثانية»، و85 مليون من «الشركة الفرنسية»، أي ما يقدر مجموعه بنحو 171 مليون دولار في العام الواحد .. وخرجت بعض التقارير الإعلامية من اليابان بحزمة من المخالفات في ذمة «غصن» المالية، منها امتلاكه عقارات سكنية فاخرة في 4 مدن حول العالم، هي بيروت وريو دي جانيرو وأمستردام وباريس. واستفز استحواذ «غصن» علي كل الصلاحيات والامتيازات منفردا مشاعر المسئولين في شركاته، مما دفع إلي إطلاق تحقيقات داخلية لعدة أشهر دون علم «غصن» كشفت وقائع فساد وتربح واستغلال سلطة لتحقيق مكاسب غير مشروعة، وكان المدير التنفيذي لـ «نيسان» هيروتو سايكاوا في مقدمة المطالبين بتطهير المجموعة من انحرافات «غصن» التي طفت علي سطح المشهد مؤخرا وأجبرته علي «الهروب الكبير»!.
وفُتح ملف «إمبراطورية غصن» ومازالت حلقاته تحمل مفاجآت وحقائق لاتقل إثارة وتشويقا عن مفارقات فراره إلي الوطن الأم لبنان وأساليب زوجته كارول عارضة الأزياء لمساندة زوجها المتهم في محنته .. فهل من الممكن أن يستعيد رجل الأعمال الهارب «ذاكرة الانتصارات» وينتشل نفسه من مستنقع الفساد والفضيحة مثلما فعل مع «نيسان» ومنحها قُبلة الحياة .. أم أن الأمور باتت خارج السيطرة وقضبان السجن تفتح ذراعيها لـ «الملياردير الشارد»؟!.
رابط دائم: