رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

إشكالية الحب بين سندريلا وميجان!

يعلمنا التاريخ الحكمة من خلال الأمثلة، فالتاريخ عندما يعيد نفسه لا يعيدها بتكرار الحوادث، بل بتكرار الحكمة من تلك الحوادث، وعندما أعلن الأمير (هاري) وزوجته الأمريكية (ميجان) الانسحاب من الحياة الملكية، والتخلى عن اداء دورهما كعضوين بارزين فى العائلة المالكة، أعادا إلى الأذهان ما قام به الملك (إدوارد الثامن) من نفس العائلة، بالتخلى عن الملك، ليتزوج من مطلقة أمريكية، أجبرته التقاليد على التضحية بالعرش، ليرتبط بمن يحب، ففى الحالتين الحب هو المحرك الأول للتضحية بالمكانة الاجتماعية، التى تتطلب شروطا يسنها المجتمع، وتسحق الشخصية الفردية وسماتها المتفردة، فتتمرد أحيانا فى حوادث مزلزلة تدفع فيها الثمن الباهظ لهذا التمرد!

ما أقدم عليه الأمير (هاري) وزوجته، ما هو إلا حادثة درامية من حوادث الحب التاريخية، وهى النجاة بحياته الفردية وقصة حبه من الأحكام الاجتماعية القاسية فى مجتمع طبقى صارم، فرغم الادعاء بالحرية وحقوق الإنسان، فإن المجتمع ورموزه النخبوية لم تشف من العنصرية، وارتباط المكانة الاجتماعية بالعرق، وكان هذا التغير فى مقدمة الضغوط النفسية عليه وعلى زوجته، لأنها من أصول إفريقية! فأشبعوها سخرية وانتقادات على كل جهودها، لتثبت أن الفرد قادر على تكوين شخصية متطورة ذات تأثير ايجابى يتفوق على نظرائه من أعراق أخري، ومن الواضح أن (ميجان) فضلت الانسحاب من لعب هذا الدور الملكى الذى يحاصرها بالانتقادات والسخرية، لتظفر بحريتها الشخصية لتعمل على انماء شخصيتها بعيدا عن المسار المرسوم لها من خلال العائلة المالكة، وتضامن معها زوجها الأمير (هاري) الذى مر بتجربة مريرة بفقدان أمه الأميرة (ديانا) بعد رحلة عذاب أوصلتها للمرض النفسى (البوليميا) وقصتها الدرامية مع العائلة المالكة، حتى وفاتها المأساوية، ومن الطبيعى أن يبذل قصارى جهده لحماية عائلته من الضغوط الملكية، مهما أعطوه القصور والموظفين والأموال والمكانة، إلا أنه فى مجال المشاعر والعواطف لا يساوى ذلك اهانة أن ترتدى الأميرة (كيت) فى حفل تحضره (ميجان) دبوسا للزينة على شكل عبد إفريقي! أو يتطفل إعلامى ليعقد مقارنة بين طفلها والشامبنزي!!

واتذكر فى بدايتى الصحفية فى مجلة «صوت الجامعة» بكلية الإعلام أنه فى حديث لى مع الكاتب الصحفى الكبير (مصطفى أمين) تطرق إلى أسباب تنازل ملك إنجلترا (إدوارد الثامن) عن العرش، ناصحا لى بالبحث عن الأسباب الجوهرية التى جعلت لقصة الحب مغزي، وأن السيدة التى ضحى من أجلها بالعرش تستحق ذلك ليس لجمالها ولكن لذكائها، لأنها استطاعت فهمه ومنحته الثقة بالذات، فلم يكن قادرا على الاستغناء عنها، وكان قراره بالاستغناء عن العرش أهون كثيرا من البعد عنها!

فى الحقيقة انه من الصعب أن نجد تعريفا محددا للحب، الذى يجمع بين فردين، فكل حالة حب تعتبر مستقلة بذاتها، لها أسبابها وتكوينها النفسى والجمالي، وفى كل قصة تعريف خاص للحب يكمن فيها، ولذا لا نجد قصة تتكرر، ولكن معانى الحب هى الخالدة، ويكفى أن الحب ارتبط بالله سبحانه وتعالى «فالله محبة» فهو يشمل كل المعانى الراقية التى معها تحلو الحياة .

باسم الحب أخرجت (ميجان) الأمير من القصر، وباسم الحب أدخل الأميرة (سندريلا) إلى القصر، ولن يدعو الأمر إلى الاستغراب لو سلمنا بإشكالية الحب، ففى كل قصة يحمل معنى مختلفا، فرمزية (سندريلا) يتم تناولها بأبعاد مختلفة، منها ما يعول على البراءة والبساطة فى الحياة، بالتمسك بالتفاصيل الصغيرة التى تكمن فيها السعادة، وتضيع مع زحمة الصراعات وغطرسة القوة، ومنها ما يعود إلى الذكاء فى أنها وجهت الأمير كيف يعرف نفسه ويعرف الآخرين حتى يتمكن من إدارة ناجحة لمملكته، وستظل (سندريلا) منجما للمعانى على مختلف الأزمنة، بما يتجلى به الحب من معان، وربما تكون (ميجان) أحدها، رغم أنها فعلت عكس ما فعلته (سندريلا) وأخرجت الأمير من القصر، ونموذج للجرأة والتحرر, ويبحثان، وربما يتمكن الحب من إنقاذ عائلة من براثن التقاليد المجحفة، التى اقامت امبراطورية على عقيدة تميز الجنس الأبيض، وتدعى المساواة وحقوق الإنسان، ولكن لا تنفك الأحداث أن تعلن رسوخ العنصرية والتكبر فى ثنايا المجتمع، الذى اختار الـ(بريكست) استعلاء على الآخرين حتى ولو كانوا أوروبيين! حتى تمكنت (ميجان) فيما يعرف بـ(Mexit) من أن ترد الصفعة، برفض الاستمرار فى مهادنة العنصرية، لتخرج هى الأخرى معها أحد أبرز أفراد العائلة المالكة!

الحب هو ما يجمع بين قصتى ميجان وسندريلا رغم اختلاف الأحداث والشخصيات ، وكلتاهما انقذتا الأمير من الخضوع للتقاليد المحطمة للذات، والفوز بمغزى السعادة فى احترام الذات، أما باقى المنح الطبيعية فى الحياة فهى تفاصيل.. فحق للشاعر أن يغنى للحب فيقول: ته دلالا فأنت أهل لذلك.. وتحكم فالحسن قد أعطاك.


لمزيد من مقالات ◀ وفاء محمود

رابط دائم: