رياض سلامة شخصية اقتصادية شهيرة فى العالم العربى يشغل منصب حاكم مصرف لبنان منذ عام 1993،لا يتحدث كثيرا،ولا يظهر إلا فى المؤتمرات الاقتصادية الكبرى يلقى كلمة مكتوبة ويغادر سريعا، وتبدأ وسائل الإعلام فى تحليل البيانات،والأرقام التى ذكرها فى كلمته كمؤشر على قراءة الوضع العام للاقتصاد اللبنانى وفى عام 2006 خلال الاعتصام الأطول فى تاريخ لبنان الذى نفذه حزب الله وحركة أمل والتيار الوطنى الحر قفز اسمه كمرشح لرئاسة الجمهورية يحظى بالثقة من أبناء الطائفة المارونية ومن الشعب اللبنانى على خلفية أن سياساته النقدية تحافظ على استقرار العملة اللبنانية طيلة هذه السنوات، وفى أسوأ الظروف والأزمات.
تتغير الحكومات والرؤساء وهو فى موقعه لا أحد يفكر فى مجرد الاقتراب منه، ويتساءل البعض هل لبنان كل لبنان بما يملك من كفاءات وقدرات لم يقدم بعد بديلا لرياض سلامة يقود المصرف المهم الذى يضبط الأداء النقدى ويضمن للعملة اللبنانية الثبات والاستقرار وسط الأمواج العاتية،والتقلبات الصارخة فى سوق المال. هذا السؤال كان خافتا لا يجاهر به الكثيرون، ولكن دوام الحال من المحال تغير المشهد كلية وأصبح اسم رياض سلامة هو الخصم الأول لعدد كبير من المواطنين داخل الحراك الشعبى وخارجه وللقيادات اللبنانية، البعض يحمله تداعيات ما يجرى الآن من توتر شديد فى العلاقة بين المواطن والبنوك بعد أن قرر المصرف المركزى وضع ضوابط تحدد نسب السحب من الحسابات البنكية والودائع بمبالغ هزيلة ، وهو إجراء اضطر مصرف لبنان إلى اتخاذه لمنع الانهيار فى الأرصدة والعملة بعد أن تعرضت البنوك لهجوم كبير من العملاء لسحب الودائع وتحويلها إلى الخارج بسبب تردى الوضع الأمنى فى البلاد واستقالة الحكومة التى كان يترأسها سعد الحريري.
فى الأزمة اللبنانية المشتعلة ،والتى لا يعرف القريب متى تنتهي؟ برز على سطح الأحداث اسم رياض سلامة فى صورة المسئول عن الوضع الاقتصادى المتردى فهل كان استمراره طيلة 27 عاما فى منصبه خطأ منه؟ سؤال تبدو الإجابة عنه غير واضحة فى هذا التوقيت لكن من المرجح أن طول المدة لم يكن فى مصلحته وانه تأخر طويلا فى اتخاذ القرار المناسب فى التخلى عن المنصب وهناك من يدافع عن دور الرجل وفى المقدمة سعد الحريرى رئيس حكومة تصريف الأعمال والذى قال لا يمكن عزله فهو يتمتع بالحصانة وهذا فى رأى البعض غير كاف لإعادة الثقة الكبيرة التى كان يحظى بها منذ سنوات هو دون شك يتمتع بخبرات مهمة فى إدارة مصرف لبنان المركزى يحفظ الأرقام والبيانات عن ظهر قلب ويعطى مؤشرات دائمة عن ثبات الليرة اللبنانية فى مقابل الدولار الأمريكى ،غير أن لبنان والمصرف المركزى يضم كفاءات أخرى كانت قادرة على مواصلة المسيرة والعطاء والاستفادة من خبراته فى موقع آخر.
هذا لم يحدث وكانت النتيجة أن سهام النقد يجرى تصويبها ضده من وزير الخارجية اللبنانى جبران باسيلى ومن قيادات فى التيار الوطنى الحر الذى ينتمى إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
البنوك اللبنانية كانت قبل الأحداث الأخيرة بعيدة تماما عن الاستهداف والمظاهرات وكل القوى السياسية لديها قرار بتحييد البنوك عن الخلافات،وفى أسوأ الأحداث الأمنية التى مر بها لبنان لم يتم استهداف المصارف والبنوك وكانت محمية بوعى المواطن اللبنانى لا أحد يقترب منها مستقرة ،تغير الوضع الآن وجرى التعدى على البنوك وتحطيم واجهات بعضها وإشعال النيران فى البعض وهو تطور غير مسبوق وخطير فى لبنان كما بدأ البعض فى بث مقاطع فيديو تنتقد حاكم مصرف لبنان وسياساته النقدية. فى المقابل تطوع البعض بنشر مقالات عن سيرة حياة الرجل وقصة البداية بعد أن أقنعه رفيق الحريرى بالعودة إلى لبنان وترك المنصب المرموق الذى كان يشغله فى الولايات المتحدة الأمريكية ورئاسة مصرف لبنان وذكر هؤلاء أن التراجع أو الفساد لا يتحمل مسئوليته فهو لا يتدخل فى الصفقات أو عمل الوزارات.
مهما تكن التفسيرات تبقى نظرية التطوير هى القاعدة التى يجب القياس عليها ففى العالم المتقدم لا بديل عن تبادل المواقع مهما تكن الضرورات فالحياة يجب ألا تتوقف وربما كانت هذه رغبة الرجل منذ سنوات التى لم يستطع تحقيقها، والآن قد يسعى لها لكن هل الوقت سيضمن له الخروج المتميز أم أن القرار سيكون عكس المسيرة الطويلة.
لمزيد من مقالات ماهر مقلد رابط دائم: