رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الذاكرة الوطنية.. وعيد الشرطة

حين يصاب الإنسان بمرض الزهايمر تسقط منه الذاكرة فيصبح بلا ماض يشكل طبيعة شخصيته، ويعيش حاضرا باهتا بلا هوية، ولا يعنيه المستقبل لأن الزمن قد توقف لديه. أما على مستوى الدول والأوطان فإن الذاكرة هى التاريخ الذى يشكل هوية المجتمع، ويعبر عن الأسس التى يقوم عليها الحاضر، ويسهم فى رسم صورة المستقبل. والذاكرة الوطنية هى تلك المواقف المبدئية والمحطات المفصلية التى شكلت تاريخ الأمة، والتراث غير المادى لحركة النضال الوطنى، وقد ظهر هذا المفهوم نتيجة نمو حركة التطور المجتمعى وتأسيس الدولة الوطنية التى تتمسك بهويتها بالحفاظ على الذاكرة الجمعية عبر المتاحف والمكتبات والأعياد الوطنية، والاحتفاء بالشخصيات والمواقف التى لعبت دورا مهما وحاسما فى الماضى الإنسانى للمجتمع وأسهمت فى الحفاظ على ثوابت الأمة وترسيخ هويتها. وعندما تخوض مصر اليوم معركة بناء الوعى فى مواجهة التحديات الضخمة التى تواجهها والحرب النفسية الشرسة التى تستهدف بالدرجة الأولى إحداث حالة من البلبلة فى عقول الشباب وإثارة الشك لديهم فى كل شىء وصولا إلى تغيير أفكارهم ومعتقداتهم لدفعهم إلى اتخاذ مواقف معينة تخدم أجندة أهل الشر، يصبح إعادة الاعتبار للذاكرة الوطنية فرض عين على كل مصرى، من الدولة التى تملك عمليات التوثيق وحفظ التراث والاهتمام بالوقائع والشخصيات التى شكلت الوجدان الوطنى للشعب المصرى والاحتفاء بها، إلى المؤسسات الإعلامية والثقافية والتعليمية والدينية والمجتمع المدنى والمثقفين والمفكرين، وكل من يستطيع المساهمة فى الحفاظ على هوية مصر. لقد شهدت مصر على مدى تاريخها محاولات كثيرة لطمس الذاكرة الوطنية باءت كلها بالفشل، حدث ذلك للزعيم أحمد عرابى عندما تصدى للنفوذ الأجنبى فى مصر وحاول منع قوات الاحتلال البريطانى من السيطرة على البلاد لكن الخيانة تسببت فى هزيمته ونفيه خارج البلاد ومصادرة أمواله، والأهم أن الاحتلال بمساعدة الخديوى توفيق ومن جاء بعده من الأسرة العلوية قاموا بتشويه عرابى أمام الرأى العام وتصويره على أنه خائن، لدرجة أن أحمد شوقى كتب قصيدة هجاء فى عرابى بعد عودته من المنفى كان مطلعها: صغار فى الذهاب وفى الإياب .. أهذا كل شأنك ياعرابى.

وظل هذا الوضع حتى قيام ثورة 23 يوليو 1952 التى أعادت الاعتبار إلى عرابى ورفاقه وأبرزت دورهم الوطنى وردت ممتلكاتهم المصادرة إلى ورثتهم. وحدث أيضا بشكل متكرر من جانب جماعة الإخوان الإرهابية تجاه كل من كشف نواياهم السيئة وتصدى لمخططاتهم المدمرة، ومن نجا من محاولات الاغتيال المعنوى التى يجيدونها قاموا باغتياله فعليا كما حدث مع محمود فهمى النقراشى وأحمد ماهر وغيرهما، والعكس صحيح، فبعد فشلهم فى اغتيال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر فى المنشية عام 1954، واكتشاف مؤامرتهم الكبرى لتدمير القناطر الخيرية ومحطات الكهرباء عام 1965، قام الإخوان بعد وفاته بأكبر حملة اغتيال معنوى له عبرمئات الكتب والمقالات المليئة بالأكاذيب، ومازالت عناصر الإخوان الإرهابية تستخدم الأسلوب نفسه حتى اليوم لتشويه الشعب المصرى ورموزه بعد إطاحة الملايين بحكم الجماعة فى ثورة 30 يونيو. الأمثلة كثيرة فى تاريخ مصر، ولهذا فإن إعادة الاعتبار للذاكرة الوطنية هو أبلغ رد على حرب الشائعات وكل محاولات التشويه، وهو السلاح الأقوى فى معركة بناء الوعى ومعالجة أى خلل فكرى، فآليات تزييف الوعى تعتمد على تشويه الرموز والمواقف الوطنية والتشكيك فيها ونشر الأفكار المغلوطة لإشاعة الفوضى والتأثير على عقلية المتلقى ليتبنى اتجاهات معينة تنبثق عنها مواقف تحقق أهداف القائم بعملية تزييف الوعى، والتصدى لهذه الحرب الشرسة يبدأ بإعادة الاعتبار للذاكرة الوطنية والحفاظ على الهوية وتصحيح المفاهيم.

ويحتل عيد الشرطة موقعا مهما فى الذاكرة الوطنية المصرية، فهو ليس عيدا فئويا دشنته فئة من فئات المجتمع للاحتفاء بها من باب تفخيم الذات، ولكنه يعبر عن يوم خالد من أيام الفخر والعزة فى تاريخ مصر الوطنى، وللأسف فإن كثيرا من الأجيال الجديدة لا تعلم تفاصيل هذا اليوم العظيم التى تستحق عناية أكثر فى الدراما ووسائط الإعلام الجديد التى يستخدمها ملايين الشباب الآن، للتذكير بجزء مهم من تاريخ الحركة الوطنية المصرية، عندما ثار المصريون ضد الاحتلال البريطانى عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية مطالبين بالاستقلال التام وإلغاء معاهدة 1936 التى فرضت على مصر عبء الدفاع عن المصالح البريطانية وتكريس الاحتلال، وتحت ضغط الجماهير الهادرة أعلن مصطفى النحاس رئيس الوزراء فى أكتوبر 1951 إلغاء المعاهدة، ليتسابق الشباب فى السفر إلى مدن القناة للانضمام إلى فرق المقاومة الشعبية ضد معسكرات الإنجليز المتمركزة هناك، وخلال فترة وجيزة سدد الفدائيون ضربات موجعة لعناصر ومعسكرات الاحتلال الذى أيقن أن الفدائيين يحصلون على مساعدات وحماية من رجال الشرطة المصريين، فعمل على تفريغ مدن القناة منهم، فحاصر مديرية أمن الإسماعيلية فى 25 يناير 1952 وأنذر رجال الشرطة بتسليم أسلحتهم والرحيل عن المحافظة، لكنهم رفضوا وأصروا على الصمود بإمكاناتهم المتواضعة وعدم الاستسلام بعد أن طلب منهم وزير الداخلية فؤاد سراج الدين ذلك، فبدأ سبعة آلاف جندى بريطانى فى قصف مديرية الأمن وثكناتها بالمدفعية لمدة 6 ساعات متواصلة فى مواجهة 850 شرطيا لا يملكون سوى بنادق قديمة، حتى سقط منهم خمسون شهيدا ونحو 80 جريحا، وكانت تلك المعركة أحد إرهاصات ثورة 23 يوليو 1952 التى أقامت نصبا تذكاريا لشهداء الشرطة الأبطال، وأصبح 25 يناير هذا اليوم الوطنى المهم عيدا للشرطة وعيدا قوميا لمحافظة الإسماعيلية. ورغم عشرات الأفلام التسجيلية التى خلدت هذا اليوم الوطنى، فإن الأفلام الروائية لم تقم بالدور المطلوب حتى الآن فى توثيق الذاكرة الوطنية بتقديم عمل درامى عن معركة الإسماعيلية، إلا مؤخرا بشكل عابر فى فيلم حرب كرموز، وهو ما يتطلب اهتماما أكبر بهذا الأمر، فالدراما بشكل عام خير وسيط لتوثيق الأحداث الوطنية والتأثير فى الوجدان الجمعى فى إطار معركة إعادة بناء الوعى.


لمزيد من مقالات فتحى محمود

رابط دائم: