فى كل موقف تاريخى وعند أى إحساس بخطر يهدد البلاد يتقدم شباب مصر دائما الصفوف ملبياً النداء ومدافعا عن الأرض والعرض والإرادة، حدث ذلك عندما حاولت جماعة الإخوان الإرهابية تمكين عناصرها من مفاصل الحكم فى مصر لتحقيق أهداف التنظيم الدولى للجماعة على حساب الأمن القومى المصرى، فتصدى الشباب لهم فى الشوارع والمنتديات والإعلام ومواقع التواصل الاحتماعى حتى خرج الشعب المصرى عن بكرة أبيه فى 30 يونيو عام 2013 ليطيح بحكم الإرهابيين.
وحدث كذلك عندما بدأت الدولة مرحلة البناء فشارك بكد وكدح فى المشروعات القومية العملاقة التى تحقق له مستقبلا مُبشراً، وحرص على الاستجابة للرئيس عبد الفتاح السيسى ومشروعه الأكبر بتدريب وتأهيل الشباب لتولى مواقع المسئولية وتشكيل كوادر قادرة على إدارة مختلف مناحى الحياة فى البلاد، والذى ظهرت بشائره فى الخطوة الجريئة التى اتخذها الرئيس بتعيين نواب للمحافظين ومساعدين للوزراء من الشباب، وإفساح المجال أمامهم بقوة فى العمل السياسى والتنفيذى والإعلامى والاجتماعى، وتنظيم مؤتمرات ومنتديات الشباب لتبادل الخبرات، وقد سعدت فى مناقشات مع نماذج متعددة من الشباب خلال الأيام الأخيرة، بما رأيته وسمعته من وعى كبير وإلمام كامل بحقيقة التحديات التى تواجه الأمن القومى المصرى، خاصة الدور المريب الذى يلعبه العثمانى أردوغان لتهديد الأمن القومى العربى بشكل عام وأمن مصر بصفة خاصة، ونشاطه المحموم فى دعم التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية واستضافة عناصرها لديه وتوفير كل أشكال المساندة لهم ماديا وسياسيا وإعلاميا، واحتضان الدواعش واستخدامهم فى إثارة الفوضى فى سوريا والعراق ودول المنطقة، سعيا وراء حلم استعادة الامبراطورية العثمانية بالسيطرة على تلك الدول عبر تمكين الجماعات المسلحة المتطرفة من التحكم فى مفاصلها. وفى مناقشة مع مجموعات من شباب مصر رأيت قراءتهم الصحيحة لأهداف أردوغان من التدخل المباشر فى ليبيا، التى تتنوع ما بين تحويلها إلى نقطة انطلاق لتهديد الأمن المصرى ومحاولة زعزعة الاستقرار بالبلاد انتقاما من ثورة الـ30 من يونيو التى أطاحت بأحلامه التوسعية بعد إسقاط حكم الإخوان حليفه الأكبر، وصولا إلى السيطرة على احتياطيات ليبيا الضخمة من النفط، وكذلك محاولة الاستيلاء على بعض مخزون الغاز الذى ظهر بكميات ضخمة فى البحر المتوسط، إلى جانب تعزيز موقفه السياسى وقدراته فى المنطقة خاصة فى سوريا والعراق.
إن شبابِنا يرى الآن هذا الكم المذهل من التدخُلات الدولية والإقليمية فى بعض دول المنطقة حتى تحولت تلك الدول إلى ساحة حرب بالوكالة بين آخرين، ويرى هذا الانتشار الكثيف للقواعد العسكرية الأجنبية فى المنطقة العربية، ويتابع المآسى الناجمة عن انهيار الدولة الوطنية من تفتت وتقسيم وتجزئة ولاجئين ونازحين فقدوا منازلهم وأسرهم وأوطانهم، وباتوا يستجدون الغذاء والكساء ويعانون شظف العيش وتقلبات الأحوال، ويرى التقسيمات الطائفية وقد ضربت الأمن والاستقرار فى بعض البلدان حولنا، وفرقت بين أبناء الوطن الواحد وزادت من حدة الصراعات بينهم، حتىاضطر كل منهم للاستقواء بالخارج لينتصر على أخيه، عبر الميليشيات الطائفية والمجموعات المسلحة المتطرفة، فسادت الفوضى وعم الفساد وبقى المواطن العادى وحده يدفع الثمن.
عندما يرى شبابنا كل ذلك واكثر مما يحدث حولنا، ويؤثر على الأمن القومى المصرى ويشكل تحديا كبيرا له، يدرك جيدا لماذا حرصت الدولة على تطوير قدرات القوات المسلحة المصرية وتنويع مصادر السلاح وكثافة التدريبات والمناورات على كل الاتجاهات، ولماذا سعينا للحصول على أحدث أنواع الأسلحة، حتى بتنا نملك جيشا مصنفا على مستوى العالم، وأسطولين بحريين شماليا وجنوبيا بدلا من أسطول واحد، بعد أن تفوقت قواتنا البحرية فى ترتيبها على كثير من القوى الدولية والإقليمية وامتلكت حاملات طائرات الهليكوبتر وأحدث الغواصات والفرقاطات وشبكات الصواريخ، وانضمت طائرات الرافال إلى قواتنا الجوية، وانتشرت قواعدنا العسكرية لتغطى كل ذرة رمل مصرية، واصبحنا قادرين على حماية دوائر الأمن القومى المصرى بقوة وإرادة.
وعندما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ توليه المسئولية أن هدفنا الأساسى هو تثبيت دعائم الدولة، كانت استراتيجية العمل واضحة من خلال معالجة جميع الأسباب التى تؤدى إلى إسقاط الدولة والتصدى لمحاولات هدم الدولة وإضعافها، والحفاظ على ما تحقق من استقرار، وتنفيذ برنامج النمو الاقتصادى المستدام الذى يهدف لتحقيق التنمية الشاملة، عبر مجموعة ضخمة من المشروعات القومية العملاقة التى تجتذب استثمارات عديدة وتوفر فرص عمل جديدة للشباب وهو ما أدى إلى انخفاض معدل البطالة إلى 7.5% وهو مالم يحدث منذ 20 عاما، بعد توفير أكثر من أربعة ملايين فرصة عمل للشباب. ورغم ذلك مازال أمامنا مشوار مهم فى طريق معركة إعادة بناء الوعى لدى الشباب، وهى عملية طويلة المدى، وتستهدف خلق حالة من الوعى بالواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى وكل القضايا المرتبطة به، لنساعد الشباب على مواجهة سيل الشائعات وحروب الجيل الرابع، والحفاظ على الهوية المصرية، وهى مسألة ليست يسِيرة، وتستلزم تضافر جهود كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى من التعليم إلى الثقافة والإعلام والمؤسسات الدينية والشبابية والرياضية .. وغيرها. فالتمسك بمنظومة تطوير التعليم التى اطلقتها الدولة والاستمرار بها رغم محاولات بعض المنتفعين عرقلتها وتشويه صورتها، هو حجر الزاوية فى معركة إعادة بناء الوعى لدى الشباب وخاصة فى المرحلة العمرية التى يكون مهيأ فيها للتعلم واكتساب المهارات والخبرات، إلى جانب الاستغلال الأمثل لقصور الثقافة فى المحافظات لتكون نقطة انطلاق مشاعل النور التى تواجه ظلامية التطرف، والاهتمام بالوسائط الإلكترونية لوسائل الإعلام المختلفة التى تجتذب الشباب ويتفاعل معها، واستغلال الاهتمام الكبير الذى يبديه الرئيس السيسى شخصياً بالشباب للتوسع فى عمليات الإعداد والتأهيل ليبقى شبابنا دائما درة تاج الوطن ونبض قَلبه.
لمزيد من مقالات د. جهاد عامر رابط دائم: