رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ابن خلدون (2)

كان والده أبو عبدالله محمد بن محمد ابن خلدون سليل أسرة كان الطموح رافعها والحصول على أرفع المناصب سعيها.!ظاهر أفرادها ملوكا وسلاطين، وحكموا وقتلوا وسجنوا وتشردوا. ولكن عبدالله اختلف عن أسلافه فلم يرث منهم تلك الروح القلقة الطامحة بل إنه كما يقول ابن خلدون يؤثر الدرس والعلم وعزف عن السياسة كما يقول فى كتابه.. «التعريف بابن خلدون ورحلته شرقا وغربا أن أباه» نزع عن طريقه السيف والخدمة إلى طريق العلم وحاول الأب أن يغرس هذه الروح فى نفوس أولاده الخمسة عمر وموسى ويحيى ومحمد وعبدالرحمن واختص بعنايته ولده عبدالرحمن .. ذلك الصبى النابه، سريع الحفظ الذى كان يتردد على مسجد القبة حتى حفظ القرآن الكريم بقراءاته السبع فى مدة وجيزة رغم اهتمام شيخ الجامع بأولاد الأمراء والقادة والأثرياء من التجار، والقسوة والتجاهل لأولاد البسطاء ومتوسطى الحال. وكان الصبى عبدالرحمن يسأل أباه حائرا لماذا يتميز أولاد الأمير عليه وهو الذى يفوقهم علما واجتهادا؟ ويدرك الأب مايعانيه منه صغيره فيشعر بالغصة والمرارة ولكنه يخبر ولده بأن الأمير هو أحد أفراد الأسرة التى تملك وتحكم البلد الذى يعيشون فيه، فإذا بالصبى الشغوف إلى المعرفة يسأله كيف نشأت هذه الأسرة فيثير حيرة الأب الذى لايجيبه ويطلب منه الاهتمام بدراسته فعن طريقها سوف يصل إلى أرفع المناصب.

ويزحف السلطان أبو الحسن المرينى سلطان المغرب الأقصى على تونس بعد أن استولى على دولة بنى عبد الواد فى تلمسان، واستجار به زعماء القبائل العربية فى تونس ليخلصهم من حكم الحفصيين ويقوم السلطان أبو الحسن بعزل سلطانها أبى يحيى الحفصى ويطرده إلى خارج البلاد.

يحدث كل ذلك وعبد الرحمن يقف متفرجا مفكرا متى تنتهى هذه الحروب ولماذا تحدث، وكيف تقوم هذه الدويلات وتكبر حتى تصبح بهذه القوة؟. وعندما يطرح الشاب البالغ من العمر ستة عشر عاما هذه الاسئلة على أساتذته من أفاضل الشيوخ والعلماء لم يجد عندهم الجواب الشافي. وفى عام 947 هـ يجتاح الطاعون البلاد ويعصف بأرواح الناس ، ويسود الحزن والنحيب ، ويكف التجار عن الخروج إلى متاجرهم ، ويكف طالبو العلم والتحصيل عن الذهاب إلى المساجد. ويتساقط العلماء والشيوخ ومن بينهم عبدالمهيمن أستاذ عبدالرحمن المقرب إليه والذى أخذ عنه الكثير فى مختلف فروع المعرفة فيحزن عليه مثلما حزن على الشيخ الآبلى الذى أخذ عنه الفلسفة وعلم الكلام. وكانت المصيبة أكبر من أن يتحملها عندما مات أبوه فى هذا الوباء اللعين ثم لحقت به أمه .

وفى الوقت نفسه تثور القبائل العربية على حكم السلطان أبى الحسن المريني، وتنقلب ضده بعد أن كانت قد أعانته على دخول تونس و ذلك لأنه أثار سخطها عندما الامتيازات والرواتب التى كانت تحصل عليها من الحكومة الحفصية.ويقرر السلطان ابو الحسن مغادرة تونس الى المغرب الاقصى وتكون الصدمة كبيرة لعبدالرحمن عندما يجد مابقى من شيوخه وعلمائه قد قرروا هم ايضا الرحيل إيثارا للعيش فى ظل الدولة القوية، وطموحا إلى اكتساب الأرزاق و الجاه بعد أن نفقت سوقهم فى تونس. وحاول بعض شيوخه إقناعه بأنهم سوف يتوسطون له عند السلطان أبى الحسن فيعفو عما صدر منه من اشتراكه فى الفتنة والثورة ضد السلطان. ولكن محمد شقيقه الأكبر أثناه عن ذلك خشية أن يبطش به السلطان أبو الحسن انتقاما مما فعله من إثارة الناس ضده. ويعود حكم تونس إلى الأسرة الحفصية التى كان عبدالرحمن يشعر بالانتماء إليها بعد أن علم أن أجداده كانوا من المقربين إليها وتولوا مقاليد الحكم فى ظلها. ويتوسط له شقيقه محمد عند الوزير محمد بن تافركين الذى كان حينئذ وصيا على صاحب عرش تونس الصغير ومستبدا بشئون الحكم فاستطاع عبدالرحمن أن يحصل على وظيفة «كاتب العلامة» وهى عبارة عن كتابة عبارة «الحمدلله والشكر لله بالقلم الغليظ فيما بين البسملة وما بعدها من مخاطبة أو مرسوم. ويأمل الشاب الطموح أن تكون هذه الوظيفة الصغيرة بداية طيبة لصعوده درجات المجد وتحقيق مايصبو إليه.

ويتقرب الشاب الطموح إلى الوزير بن تافركين ويخلص له النصح والمشورة فيقربه الوزير إليه ويعده بالكثير. ولكن عبدالرحمن كان ينظر فى الوقت نفسه إلى ضعف حكومة تونس واضطراب أحوالها بعين التوجس والقلق فإن صاحب السلطة الحقيقية يفتقد إلى الشرعية ومؤازرة القبائل العربية. وبالفعل تتحقق مخاوف عبدالرحمن إذ مايلبث أمير قسطنطينة أبوزيد حفيد السلطان أبى يحيى الحفصى يزحف إلى تونس لينتزع تراث آبائه من قبضة الغاصب ابن تافركين الذى يتولى الوصاية على صبى لاحول له ولاسلطان. ويعد ابن تافركين العدة إلى لقائه ويسير إليه مصطحبا معه أقرب عماله إليه ومساعديه ومن بينهم عبد الرحمن بن خلدون. وتدور المعارك الطاحنة بين الفريقين وترجح كفة الأمير أبى زيد. ويشعر ابن خلدون ببوادر الهزيمة وأن وزيره ابن تافركين لن يكون الرجل المنتصر وتخيل ماسوف يحدث عندما سيظفر به أعداؤه وعندئذ لم يجد أمامه سوى الهرب ويسير مطوفا فى البلاد إلى أن يصل إلى مدينة سبتة ـ وللحديث بقية


لمزيد من مقالات مصطفى محرم

رابط دائم: