رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

العجين والديناميت.. ما يجب تذكّره بشأن شارلى شابلن

فى عام 1889 ولد أودلف هتلر، وفى عام 1889 أيضًا ولد شارلى شابلن. مضى نصف القرن.. ثم فى عام 1940 قدّم شارلى شابلن فيلم الديكتاتور العظيم. قام شابلن بتقليد شارب هتلر وراحَ يسخر منه ويحطّ من شأنه. ولأن الفنان البريطانى الشهير كان معاديًا لهتلر، فقد دعا إلى الوقوف مع السوفيت. انتهت الحرب العالمية الثانية بالانتصار عام 1945، وبعد قليل جاء فيلم مسيو فيردو. وهنا رأت الأجهزة الأمنية الأمريكية أن شارلى شابلن قد تجاوز فكرة التحالف مع السوفيت أثناء الحرب إلى الإعجاب بالاتحاد السوفيتي، والترويج للفكر الشيوعي. جرى التحقيق مع شابلن، وتمّ سؤاله فى كل شيء. وحسب مؤرخى سيرته فقد تجاوزتْ صفحات التحقيق التى قام بها جهاز المباحث الفيدرالية الأمريكية «إف بى آي» أكثر من (2000) صفحة! فى عام 1952 جرى منع شارلى شابلن من دخول الولايات المتحدة، فراح إلى سويسرا حيث عاش ربع القرن الأخير من حياته.

تبدأ القصة فى عام 1917 حيث انهارت الإمبراطورية الروسية تحت وطأة الثورة الشيوعية. مضى عامان فقط، ثم كان تأسيس الحزب الشيوعى الأمريكي. كان هدف الحزب هو قلب نظام الحكم، وإقامة نظام شيوعى فى الولايات المتحدة. لم يكن الأمر يدعو إلى السخرية كما هو اليوم، حيث لا يتجاوز تأثير الحزب الشيوعى الأمريكى الآن.. مساحة شقة صغيرة فى نيويورك. انتهى عقد العشرينيات على مأساة الكساد الكبير. تصاعدتْ الاحتجاجات العمالية، وباتتْ أمريكا أقرب إلى الشيوعية من أيّ وقت مضي.

كان الرئيس هربرت هوفر هو الرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت. لم يستوعب هوفر ما هو حاصل، ولم يغيّر من الرؤية الرأسمالية الكلاسيكية. فكان أن فشل أمام فرانكلين روزفلت فى انتخابات عام 1932. من المثير أن هوفر الذى ترأس إدارة الأغذية الأمريكية أثناء الحرب العالمية الأولي، قبل أن يصبح رئيسًا ثم معارضًا.. قد عادَ فى عهد الرئيس هارى ترومان سفيرًا للطعام. وفى عام 1946 زار القاهرة، وجرى الاتفاق على أن تقدم مصر معونات إلى إيطاليا واليونان.

كان شارلى شابلن شأن الرئيس السابق هربرت هوفر معارضًا لدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. ولكن الغزو الألمانى للاتحاد السوفيتى قد غيّر من رأى شابلن الذى رأى ضرورة التحالف العسكرى مع موسكو لمواجهة هتلر. وكان تقديره أن دعم الاتحاد السوفيتى هو ما يمكنه منع هتلر من غزو وطنه.. بريطانيا. يعرض كتاب هل أنت شيوعى يا مستر شابلن؟ والذى قام بترجمته إلى العربية الدكتور رمسيس عوض، كما يعرض كتاب كامل التلمسانى عزيزى شارلي، وكتاب أشرف بيدس, شارلى شابلن.. سير وتراجم جوانب عديدة من آراء شابلن السياسية.

لم يكن شارلى شابلن شيوعيًا، كما لم يكن مثقفًا يساريًا. وقد قال فى التحقيقات إنه لم يقرأ لكارل ماركس، ولا يعرف شيئًا عن نمط الحياة الشيوعية، كما أنه لم يتبرع قطّ لصالح الحزب الشيوعى الأمريكي.

لكن شابلن الذى لم يكن شيوعيًا كان إنسانيًا.. وكثيرا ما وقف مع قضايا الفقراء والمهمشين من أمثاله فيما قبل.. حيث نشأ شابلن فقيرًا، وعاش طفولة بائسة. ولولا عبقريته الفنية لكان فى عداد المشردين.

كان شابلن محظوظًا حين أفلتَ من التشرد فى الحياة، فعاش التشرد فى الفن، حيث كانت شخصية المتشرد هى أشهر أدواره. لم يتنكّر شابلن لطفولته التائهة، بل عمل كثيرًا فى مشروعه الفنى لصالح الضائعين. وهنا لم يتحوّل الفنان البريطانى الأشهر إلى الشيوعية، بل تحوّل إلى الإنسانية. فى عام 1913 كان أدولف هتلر هائمًا يجوب مقاهى فيينا بحثًا عن عمل، بينما كان شابلن يبدأ أول أفلامه. وبعد عام اندلعت الحرب العالمية الأولي. وكان فيلم شابلن الشهير العجين والديناميت.

إن حياة شابلن كلها ربما تقع تحت هذا العنوان: مزيجًا من الخبز والتمرد. حين اعتقد المنتجون فى هوليوود أن شابلن يهوديًا، لم يقم بالنفي، ذلك أنه وجد فى ذلك دعمًا لفرص انطلاقه وبقائه. ولقد ظنّ البعض أنّه يهوديّ من جرّاء حالة الغموض التى صنعها من حوله.

عارضَ شابلن نشأة إسرائيل، وكان يرى أنه لا يجب إرسال اليهود إلى فلسطين، وإلّا فإنه يجب إرسال الكاثوليك إلى روما. وينقل سمير فريد عن شابلن قوله: يجب على الأمم المتحدة أن تمنع إقامة أى دول للأقليات أو المجموعات العنصرية. فمن حق اليهود الذين ولدوا فى بولندا أو ألمانيا أن يعيشوا فى دولتهم مثل بقية المواطنين.. إن مولدهم وحياتهم يمنحان لهم حق المواطنة. ثم رأى شابلن فى إسرائيل - بعد نشأتها - أنها إحدى قواعد الاستعمار، وحسب مؤرخى حياة شابلن فإنه كان يذهب إلى القول إن: الدولة التى يقوم كيانها على دعوة عنصرية مثل إسرائيل لا يمكنها البقاء. ولقد أدان شارلى شابلن وطنه البريطانى قائلًا: أنْ يجد المرء نفسه أمام الحضارة البريطانية القائمة على الاحتلال فهذا يزعزع الكثير من القيم. إن ما فعله البريطانيون فى فلسطين هو العار الذى سوف تحكى عنه البشرية مدى الحياة. يتذكر المصريون لشابلن كثيرًا من الأعمال الفنية الرائعة، لكنهم يتذكرون أكثر موقفه النبيل ضد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956.

لم تجد آراء شابلن السياسية صدى واسعًا، ولكن هيئته الفنية الشهيرة، وثنائية القبعة والعصا قد جعلته واحدًا من أشهر الوجوه الفنية فى العالم. ولقد أصبحت مسابقات تقليد شارلى شابلن هى أنشطة معتادة فى كلّ مكان. ويروى البعض أن شارلى شابلن قد تخفَّى ودخل إحدى المسابقات لتقليده، وكانت المفاجأة أنه حصل على المركز الثاني!.من بريطانيا إلى أمريكا إلى سويسرا مضت ثلاثية المكان لشارلى شابلن، وحين جرى منعه من الدخول عام 1952، قرر بيع كل ممتلكاته هناك وعدم العودة نهائيًا. وقال جملته الشهيرة: لن أعود إلى أمريكا أبدًا حتى لو ظهر فيها يسوع المسيح!.

مضى أكثر من مائة وثلاثين عامًا على مولد شارلى شابلن.. أصبح اسمه أكبر مما كان. لم يعد أحد يتذكر ما قاله المدعى العام الأمريكي.. لا الاتهامات ولا منع الدخول، ذابت كل صفحات التحقيق كأن لم تكن. فاز الإبداع على السلطة، وانتصر الفن على السياسة.


لمزيد من مقالات أحمد المسلمانى

رابط دائم: