رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مقاومة القبح

قطع المرض حوارا ساخنا كان يدور فى هذه المساحة، وفى الفيس بوك، بحكم أن ما ينشر لى هنا ينشر فى اليوم نفسه هناك، وكان الحوار حول دور الأزهر ودار الإفتاء والأوقاف ومجمع البحوث الإسلامية فى حياتنا العامة الآن.. وقبل أن أستطرد فى ذلك الشأن أود أن أتوجه بالشكر والامتنان للصديق الأستاذ علاء ثابت، رئيس تحرير الأهرام، على اهتمامه بمتابعة أخبارى مع المرض، ولنشره تمنيات الأهرام لى بتجاوز الأمر، والشكر له على الحوار الذى أجراه مع معالى الدكتور رئيس وزراء السودان، وهو حوار أرى فيه نموذجا للتكامل المنشود بين الصحافة وبين جهات صنع واتخاذ القرار السياسي، ضمن منظومة تكامل أسلحة القوة الناعمة المصرية لخدمة المحروسة، وكم وددت الكتابة فى مضمون الحوارات التى أجرتها الأهرام مؤخرا، ولكن المرض حال بينى وبين هذه الأمنية.

ولقد خلط البعض بين الدور الحتمى للأزهر كمؤسسة تعليمية وحضارية وثقافية، ضمن دورها كمؤسسة وطنية ومعه دور المؤسسات التى أشرت إليها، وبين اصطناع دور متعسف يهدف إلى أن يأخذ الأزهر الشريف دورا يعليه ويجعله مرجعية فوق بقية سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، أى ببساطة تديين السلطة على خلاف ما نص عليه الدستور، بل وعلى خلاف السوابق التاريخية منذ عصور، وفى هذا تفاصيل طويلة ليس المجال مجالها الآن، إنما هو مجال الاصطفاف الوطنى لمجابهة التحديات التى تأخذ بخناق مصر من الخارج ومن الداخل، وفى ظني, بل اعتقادي, أن ألف باء الاصطفاف الوطنى هو إعلاء شأن المؤسسات وتقسيم العمل بينها، ليكون لكل منها مهمة موصوفة بدقة Job description لا تخرج عنها ولا تمد عينيها إلى ما تتمتع به مؤسسة أخرى، ثم إننى لا أريد أن أستطرد فى مناقشة الأمر، لا لشيء إلا لأن الوقت غير مناسب من حيث أولويات التحديات التى تجابه مصر، وأغلق من جانبى الحوار إلى حين يأتى الوقت المناسب، لأنه من القبح عندى الإلحاح على قضية ليس لها أولوية عاجلة.

وبمناسبة القبح، فإن زمانًا جاء على مصر كان فيه القبح عنوانًا بارزا فى الاقتصاد والسياسة والسلوك والقيم، وليس فى العشوائيات وواجهات المبانى وشريط الإسمنت والأسفلت على طول الشواطئ، ولقد عدت إلى المعاجم اللغوية، لعلى أجد معنى مغايرا لما استقر فى وعيى عن معنى القبح، ولم أجد، وما وجدته هو باختصار أنه الشناعة والسوء والخروج عن اللائق المقبول.

ومن المؤكد أننا نذكر سمات القبح التى امتدت من العشوائيات وامتدادات العمران فى الأراضى الزراعية إلى أماكن كانت فى زمانها الغابر منافسة لأرقى أحياء عواصم أوروبية، كالقاهرة الخديوية ومصر الجديدة وجاردن سيتي، ومن قبلها المنيرة والحلمية إلى آخره.. ثم من المؤكد أننا نذكر الانفجار العقارى فى امتدادات أحياء كمدينة نصر وتحكم الحيتان من مقاولين ومقاولات فى السوق، وما تبع ذلك من إفساد وفساد عندما التقى جشع المقاولين مع طمع الموظفين، وكان كل شيء له ثمن، وأرخص الأشياء كان الضمير والمال العام ومصلحة الوطن، وما زلت أذكر قصتى مع إحدى المقاولات كانت مشهورة باسم الحاجة وكيف كانت الواسطة أربعة من رؤساء النيابة. ثم اقترن بذلك القبح الذى حمل لافتة توظيف الأموال، وانتشرت الإعلانات التى تحمل آيات من الذكر الحكيم، وفشت كشوف البركة، وعلت صور كبار كبار المسئولين حوائط غرف استقبال أصحاب تلك الشركات.

لقد تحول القبح إلى قيمة بحد ذاته عند ممارسيه، ولم لا؟ وقد وجدوا طريقهم لتوظيف عديدين من كبار العلماء الدعاة، ومن باب الحلال والحرام دخلوا عقول وأفئدة الناس الذين كانوا بالملايين، وهدفهم هو تحرى الحلال فى أرزاقهم ومدخراتهم، وهم لا يعلمون أن أموالهم موضوعة فى أشد البنوك الأوروبية والأمريكية ربوية.. هذا غيض من فيض ما نسيناه وما غفرنا لمرتكبيه أفعالهم، ونراهم الآن بلا خجل يتصدرون صالونات الفكر والثقافة والأحزاب السياسية. وتسألنى سيدي: لماذا الحديث عن القبح الآن وما ضرورة فتح الملفات؟ وأجيبك من فورى لأنه يبدو أن العيون والعقول والأنفس التى تعودت القبح قد فقدت القدرة على تذوق الحسن وتعظيم الجمال!. لقد أزيحت العشوائيات بقبحها وأنشئت أحياء ومدن كاملة مستوفاة لكل ما ينفى أنها قبيحة! ولقد طورد الفساد بمفسديه وفاسديه ولم يعد لقبحه هيمنة من أى نوع، وما زال يطارد وتسقط رؤوس كبيرة، ثم كان السعى الدءوب لتدين حقيقى بالفقه والعلم والوطنية، وما زالت معركة تجديد الخطاب الدعوى على أشدها، وأصبحنا نعرف أن الريان باب من أبواب الجنة وليس بابا لشركة نصب والذقون إياها.. وإذا استطردت فى ذكر بقية المعادلة فلن تكفى المساحة.

إننا بحاجة إلى تدريب العيون والعقول على تذوق الجمال والحسن مرة أخرى، لأنهم إذا تذوقوه وارتبطوا به وعرفوا متعته فلن يقبلوا القبح مرة أخرى.


لمزيد من مقالات أحمد الجمال

رابط دائم: