رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

مشكلات التحول للدعم النقدى

مرة اخرى يتجدد الحديث عن الدعم وتحويله من سلعى الى نقدي، حيث أعلنت الحكومة عن قيامها بالتنسيق مع عدد من الجهات للاتفاق حول الآلية الخاصة بالتنفيذ، وذلك بغية الوصول به الى مستحقيه. والحديث يدور حول دعم السلع التموينية، خاصة أن الأنواع الأخرى قد تم تقليصها بالفعل سواء للمنتجات البترولية او الكهرباء والمياه. ونظرا لأهمية هذه المسألة فى ضوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السائدة حاليا، والتى من أبرزها ارتفاع معدلات الفقر إلى نحو 33% فى عام 2017/2018.ولطبيعتها وخطورتها وتأثيراتها الشديدة على شرائح المجتمع الفقيرة، فانه يجب ان يتم حوار مجتمعى حولها.

وهنا يرى البعض ان التحول للدعم النقدى المشروط قد نجح تماما فى ضوء تطبيق برنامجى تكافل وكرامة، والذى بدأ تنفيذه فى يناير 2015 يتم بمقتضاه تقديم دعم نقدى مشروط للفقراء، ويختص برنامج تكافل بالأسر التى تعانى الفقر الشديد على ان يكون لديها أطفال فى الفئة العمرية حتى 18 سنة، أما برنامج كرامة فيستهدف الفئات التى تعانى الفقر الشديد وغير قادرة على الكسب او العمل ككبار السن 65 سنة فأكثر أو من لديه عجز كلى او إعاقة تمنعه من العمل . وتحدد قيمة المبلغ المستحق بكل برنامج على حدة فتكافل 425 جنيها للأسرة بالإضافة الى منحها لكل تلميذ فى مراحل التعليم (من 60 -80-100 جنيه شهريا) بحد أقصى ثلاثة تلاميذ للأسرة الواحدة، بالإضافة الى زيادة شهرية بحد أقصى 100جنيه، أما برنامج كرامة فهو 450 جنيه للفرد بحد أقصى ثلاثة افراد للأسرة الواحدة، وقد ارتفعت قيمة هذا الدعم من 1460 مليون جنيه عام 2015/2014 الى 12 مليار جنيه ختامى 2017/2018، وكذلك توسع عدد المستفيدين منه ليصل الى 2.2 مليون اسرة. وهنا توجد عدة ملاحظات أولاها ان هذه المبالغ تقل كثيرا عن خط الفقر الذى حدده بحث الدخل والإنفاق والمقدر بنحو 736 جنيها شهريا للفرد، وثانيا ان عدد المستفيدين يقل كثيرا عن عدد الفقراء الذين يقدر عددهم بنحو 31 مليون فرد والفقر المدقع نحو سبعة ملايين، ثالثا ان البحث أشار الى ان 70% من مخصصات تكافل وكرامة تذهب الى افقر 40% من السكان، ولكن تعانى هذه المساعدات نقصا فى تغطية الفئات الأكثر احتياجا، حيث إن 27% من مساعدات تكافل و34% من مساعدات كرامة تذهب الى غير الفقراء وهو ما يشير الى ان هذا البرنامج لم يتمكن من إيقاف التسرب. لكل ما سبق هناك ضرورة للاستمرار فى سياسة الدعم الحالية، حيث لا تزال تشكل ضرورة ملحة بالنسبة لمستويات الدخول، وهو ما أشار اليه بحث الدخل والإنفاق، مؤكدا أن هذه السياسة أسهمت فى الحد من معدلات الفقر بنسبة 4%، ولكن التساؤل الأساسى هنا هو كيف يمكن تعظيم العائد من هذا الإنفاق؟ وهنا يطرح التساؤل حول انسب السبل لكى تؤدى سياسة الدعم النتائج المرجوة منها.

وتعد البطاقات التموينية هى الوسيلة الأساسية التى يتم بها توفير السلع المدعومة للمواطنين عبر آلية محددة تتحكم فى الأسعار. مع ملاحظة ان عدد المستفيدين من البطاقات التموينية قد هبط من 71.6 مليون فرد فى أبريل 2016 الى نحو64 مليونا فى يوليو 2019، وترجع أهمية هذه الأداة فى ضوء مساهمتها فى خفض الفقر, إذ يمثل ما تحصل عليه الاسرة فى الشريحة الدنيا، من دعم للسلع الغذائية نحو 16% من اجمالى استهلاكها من الغذاء، والشريحة الأخرى تصل الى 13% مقابل 6% فى الشريحة الأعلى. وتختلف هذه النسبة وفقا لنوع السلعة مع ملاحظة ان نسبة ما تحصل عليه الاسرة من الأرز وفقا للمنظومة الجديدة للدعم تصل الى 29% من اجمالى استهلاكها من هذه السلعة وترتفع هذه النسبة الى 88% فى الزيت ونحو 86% فى السكر. ومن جهة أخرى، هناك نحو 78% من مستويات الإنفاق الأعلى يستفيدون من هذا النظام، فيما يعتبر هدرا للموارد، خاصة أن هذه النسبة ترتفع فيما يتعلق بالاستفادة من دعم الخبز والدقيق.

وقد قامت الحكومة بالعديد من الإجراءات، وتم تطبيق أسلوب جديد لتوزيع الخبز والسلع على بطاقات التموين، يتيح استخدام مبلغ الدعم نفسه فى شراء سلع اخرى بحسب احتياجات الفرد، وزاد الدعم النقدى على البطاقات التموينية من 21 جنيها الى 50 جنيها للفرد، بما يسمح بمضاعفة كمية السلع الممكن شراؤها بنسبة 140%، وبالتالى وصل دعم السلع التموينية فى موازنة العام الحالى 2019/2020 الى 85 مليار جنيه مقابل 45 مليارا خلال العام المالى 2016/2017، مع ملاحظة أن 88% من الاسر المصرية تتم تغطيتها من خلال هذه المنظومة، وترتفع هذه النسبة فى الريف الى 96% مقابل 80% فى الحضر، وبالتالى فان اكثر من 90% من الاسر تنضوى تحت مظلة الدعم. غير أن هذا النظام مازال يواجه العديد من المشكلات منها وصول الدعم إلى غير مستحقيه، وعدم وصوله إلى شريحة لا بأس بها من مستحقيه, فضلا عن سوء استخدام السلع المدعمة، خاصة فى ظل الاستخدامات المختلفة للسلعة الواحدة، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة معدلات استهلاك هذه السلع، وتسرب جزء كبير منها إلى غير الغرض المخصصة له. ناهيك عما يؤدى إليه من التعدد فى أسعار السلعة الواحدة فى المجتمع، والأهم من ذلك انه لا يتيح للأفراد الحرية فى اختيار السلع المستهلكة. لكل هذه الأسباب تظل المشكلة الأساسية هى كيفية تحديد الفئات المستحقة للدعم والمعايير التى يمكن استخدامها لتحقيق هذا الهدف. وبالتالى يجب العمل أولا على إعادة تعريف مستحقى الدعم والوصول به إلى مستحقيه فقط، مع ما يتطلب ذلك من إعادة لترتيب أولويات وأدوات الدعم بشكل يضمن انحيازه للفقراء. وهو ما يتطلب التحرك على محورين، أحدهما قصير الأجل ويرتكز على ضرورة الاستمرار فى سياسة الدعم كمبدأ. والعمل على تعظيم العائد منه، مع التوسع فى برامج الحماية الاجتماعية القائمة مثل تكافل وكرامة ومعاشات الضمان الاجتماعي. والاستمرار فى البرامج الاجتماعية ذات المردود السريع على الفقراء، وفى الاجل الطويل يجب التركيز على إخراج الفقراء من دائرة الفقر عن طريق إكسابهم المهارات والقدرات اللازمة للحصول على الكسب الجيد، وهو ما يتطلب اتباع إستراتيجية تنموية تركز على النمو الاحتوائى المتواصل.


لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى

رابط دائم: