المساواة في الظلم عدل.
وليس من العدل على الإطلاق المساواة بين أي أخبار سلبية تخص الداخل المصري والجرائم والانتهاكات المحلية و«العالمية» التي يرتكبها نظام رجب طيب أردوغان في سوريا والعراق ومصر وليبيا ومياه البحر المتوسط.
ومع ذلك، تبدو المعالجة الإعلامية لما يجري في مصر من أحداث، مقارنة بما يخص تركيا، أكثر ظلما وتعسفا من معالجة أخبار تركيا أو حتى أي دولة أخرى.
وإذا أردنا أمثلة على ذلك، فسنجد أنها لا تعد ولا تحصى.
مثلا، وبصورة ضعيفة للغاية، تطرقت وسائل الإعلام العالمية لاتهامات دولية تم توجيهها إلى الحكومة التركية بالتقصير في مواجهة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تتم عبر أراضيها، مقارنة بالاهتمام البالغ الذي أبدته وسائل الإعلام نفسها بخبر شديد التفاهة عن حظر تصدير الكلاب البوليسية لمصر بدعوى تعرضها لسوء المعاملة، وهو ما يعكس استمرار الانتقاء المغرض الذي تتعامل به وسائل الإعلام المعادية لمصر بشأن الأخبار الواردة عنها، وحرصها على إبراز كل ما هو سلبي بخصوصها، مع تهاونها الواضح في عرض تجاوزات النظام التركي المارق مثلا، حتى لو كانت هذه التجاوزات تمس الأمن والاستقرار الدوليين.
وهكذا، تثبت هذه الوسائل الإعلامية مدى تفريطها في مسئوليتها نحو تبصير الرأي العام العالمي بالحقائق، تنفيذا لأجندتها السياسية، والتي تتضمن المجاهرة بالعداء لمصر، ردا على إسقاطها حكم جماعة الإخوان الإرهابية، والتي يسعى يائسا لإنقاذها النظام التركي أيضا.
ومن أبرز الأمثلة على هذه المعالجة الإعلامية غير المتكافئة، ما نشرته وكالة «رويترز» للأنباء بتاريخ 16 ديسمبر 2019 بعنوان «يجب على تركيا تصعيد الإجراءات ضد غسل الأموال»، حول إعلان قوة مهام العمل المالي التي يوجد مقرها في باريس عن أنه يجب على تركيا معالجة أوجه القصور في التعامل مع قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وإما مواجهة احتمال وضع اسمها في «قائمة رمادية» تضم الدول التي تفرض ضوابط مالية غير كافية في هذا الشأن.
ولسنا ندري لو كانت مصر هي المتهمة من قبل جهة دولية بالتقصير في مواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، هل كانت «رويترز» ستكتفي بنشر خبر صغير من عدة سطور يتحدث عن هذا الموضوع كما فعلت في حالة تركيا؟ أم أنها كانت ستجعل من هذا الموضوع بابا مفتوحا على مصراعيه للتشهير بمصر والتحريض ضدها؟
في المقابل، اهتمت الوكالة نفسها ووسائل إعلامية أخرى بأخبار سلبية عن مصر، من عينة خبر بثته رويترز بتاريخ 20 ديسمبر 2019 بعنوان «آثار الإنسانية في مصر تتعرض للتهديد بسبب تغير المناخ«، وخبر آخر بثته رويترز أيضا بتاريخ 17 ديسمبر بعنوان «المحققون الإيطاليون: الطالب الإيطالي القتيل وقع في شبكة نسجتها الأجهزة الأمنية المصرية»، في تكرار لاستباق التحقيقات الخاصة بقضية جوليو ريجيني، وخبر آخر بثته وكالة «أسوشييتدبرس» بتاريخ 20 ديسمبر بعنوان «وفاة كلاب الكشف عن القنابل الحاصلة على التدريب في الولايات المتحدة في مصر والأردن بسبب الرعاية غير المناسبة»، حول ما جاء في تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بأن الكلاب التي يتم استخدامها في الكشف عن القنابل والتي ترسلها الولايات المتحدة للأردن ومصر تصاب بالأمراض، وفي بعض الأحيان تلقى حتفها بسبب الرعاية غير المناسبة، وأضافت الوكالة أن مكتب المفتش العام التابع للخارجية الأمريكية أوصى بأن تتوقف وكالتان أمريكيتان عن إرسال الكلاب الحاصلة على تدريب خاص إلى هذين البلدين حتى يضع كل منهما خططا لضمان توفير الرعاية المناسبة لهذه الكلاب، ومتابعتها للتأكد من سلامتها!
ولنا أن نتخيل أن الحيز الذي شغله خبر «الكلاب»، وتكراره في أكثر من وسيلة إعلامية أجنبية، فاق بمرات الحيز والاهتمام الذي حظي به خبر اتهام تركيا بالتقصير في مواجهة تمويل الإرهاب، وهو ما يعني أن هناك لغزا ما وراء هذا الكيل بمكيالين بين دولة وأخرى في جدول أعمال وسائل إعلامية مرموقة، يحتاج إلى تفسير!
رابط دائم: