رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حديث حمدوك

جاء حديث رئيس وزراء السودان الدكتور عبد الله حمدوك مع الأستاذ علاء ثابت رئيس تحرير الأهرام فى الثانى من يناير 2020 مفاجأة أسعدتني، وولدت لدى الأمل أن يكون هذا اللقاء الإعلامى المهم مؤشرا على صحوة إعلامية مصرية واجبة بالنسبة للعلاقات السودانية المصرية، خاصة مع ما حظى به الحديث من مكانة مهمة فى صدر الصفحة الأولى من صحيفة الأهرام.

تضمن الحديث أخبارا مهمة عن توجهات السودان الجديد، سودان ما بعد ثورة الحرية والتغيير التى أزاحت حكم البشير الذى جاء عام 1989 وسط عملية تمويهية استهدفت خداع مصر بأنه لا يضمر لمصر إلا كل الخير، فلم تمض سنوات قلائل حتى نظّم واحدة من أكبر العمليات الإرهابية لاغتيال رئيس جمهورية مصر، وهو فى طريقه من مطار أديس أبابا قادما ليشارك فى اجتماع القمة الإفريقية عام 1995، ولقد أشار الدكتور حمدوك إلى هذه الواقعة التى ظلت تلقى بظلالها على العلاقات بين البلدين لأعوام، عمل فيها نظام البشير كل جهده طوال أعوامه الثلاثين على ألا يتشرب الجيل الجديد من أبناء السودان من معين المحبة الذى طالما كان مصدرا للإخاء بين الشعبين الشقيقين فى وادى النيل.

لم تكن الفجوة التى نشأت بين الشعبين طوال الأعوام الماضية راجعة فقط إلى سياسات البشير. بل قابلها أيضا موجة تراجع فى الزخم الثقافى المصرى الذى كان يميز العلاقات بين البلدين، والذى رأيت تجلياته التاريخية فى ماضى الزمان عندما خرجت مئات الألوف من إخوتنا فى العاصمة السودانية الخرطوم ليقضوا الليل انتظارا لوصول الرئيس جمال عبد الناصر لحضور القمة العربية الأولى بعد هزيمة 67، فكان هذا الاستقبال التاريخى الحاشد هو أول رد فعل لرفض الهزيمة مما أعاد الابتسامة للزعيم الراحل بعد أن كانت قد اختفت منذ صباح الخامس من يونيو 1967 الكئيب، وكنت قبل ذلك بسنوات قد شاهدت الزعيم السودانى الكبير محمد أحمد محجوب وزير خارجية السودان يدافع عن مصر أعظم دفاع على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة فى أثناء العدوان الثلاثى على مصر 1956.

وكواحد من أبناء هذا الجيل الذى تربى على شعارات نيل واحد وشعب واحد, كنت أحزن عندما يقول لى الصديق الأديب السودانى الكبير الطيب الصالح طيب الله ثراه ــ إن مصر قد فقدت موقعها السابق فى قلوب السودانيين لأنها أهملت أو تخلت عن وجودها الثقافى هناك...

ذكر الدكتور حمدوك فى حديثه المهم أن مصالح السودان تتفق مع رؤية مصر فى موضوع سد النهضة وأنهم يؤمنون بأهمية التفاهم بين الدول الثلاث، وسيكون التفاهم استراتيجيا وأن موقف السودان من سد النهضة كدولة فى المنتصف بين مصر وإثيوبيا تتفق مع رؤية مصر، وأن تشغيل السد سيكون عبر التفاهم وعبر تبادل المعلومات بين الدول الثلاث بحيث لا يتضرر أحد من البلدين، وتحدث عن التعاون بين مصر والسودان والربط الكهربائى بين البلدين الذى سيبدأ فى هذا الشهر بقوة خمسين ميجا، وتحدث عن المؤتمر الاقتصادى الواسع الذى سيعقد بعد شهرين والاستفادة من تجربة مصر فى الإصلاح الاقتصادي. روح الحديث فضلا عن مبناه كان إيجابيا وواعدا.

عملت جهدى فى إطار المجلس المصرى للشئون الخارجية داعيا أن نتبنى تشكيل وفد من المجتمع المدنى المصرى للذهاب للسودان لتهنئة إخوتنا هناك فور الاتفاق الذى تم التوصل له بين قادة الحرية والتغيير والمجلس العسكرى وتشكيل حكومة سودانية جديدة برئاسة السياسى والاقتصادى المخضرم عبد الله حمدوك... الذى قام فى فترة الشهور القلائل التى شغل فيها منصبه المهم بتحرك دولى مهم أنجز فيه الكثير خاصة نجاحه فى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

فى إطار هذا التحرك السياسى قام الدكتور حمدوك بزيارته للقاهرة كأول عاصمة زارها بعد زيارته لدولة جنوب السودان التى كانت جزءا لا يتجزأ من السودان حتى جاء انفصالهما على خلفية سياسات البشير الإقصائية.

من هنا جاءت سعادتى بهذا الحديث المهم الذى تصدر الأهرام فى اليوم الثانى من يناير 2020، ولم تنشأ سعادتى فقط بما تضمنه الحديث بل أيضا بروح المبادرة من الصحيفة الكبيرة.

أأمل أن يكون هذا الحديث مؤشرا على انتهاء ما كان هناك من فجوة، وتدشينا لحقبة جديدة يستعيد فيها البلدان بل الشعبان تراث الأخوة والوحدة الذى ساد علاقات شعب وادى النيل الأزلية من البحر الأبيض إلى خط الاستواء. أأمل أن أرى عودة تدريجية لهذا الزخم الذى ميز علاقات الشعبين الشقيقين.

أتمنى أن أرى تبادلا من الزيارات الإعلامية... أتمنى أن أرى وزيرة الثقافة بما لها من همة وطاقة إيجابية أن تشكل وفدا من المثقفين المصريين، فنانين وكتابا لزيارة السودان، وأتمنى أن يكون الملك من بينهم وأعنى بذلك الفنان الرائع محمد منير مغنيا لوحدة وادى النيل. أتمنى أن يقوم المجتمع المدنى المصرى من مؤسسات فكرية ورجال أعمال بزيارة السودان وفتح صفحة جديدة من التعاون الاقتصادى والاستثمار، وأتمنى أن يكون المجلس المصرى للشئون الخارجية جزءا من هذه الصحوة التى تعيد أواصر المحبة بين شعبى وادى النيل.


لمزيد من مقالات السفير . عبد الرءوف الريدى

رابط دائم: